بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الطول الصميم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ذوي القدر الشميم، وبعد:
فمن المتصل بأعذاره، إلى عالم جهره وأسراره، عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي، وإلى كافة عباد الله المؤمنين، الذين يقبلون النصيحة، وخصوصاً من أنتسب إلى طريق القوم، الذين هم خالون عن اللوم، من مريدين ومقاديم و مشايخ: أيها الأخوة إنني لست بأفضل منكم، بل غبار حذائكم، ولا أزكى نفسي، ولكن ينبغي لمدير الكأس، أن ينهي الجلاس، عن التكالب على الدنيا، لأنها ليست من شئون الطائفة الجنيدية، التي هي صفة من كنه الأخيار، تدثرت حلل الأنوار، وصحت معاملتها مع مولاها، وكشف لها واقع الأنوار وأراها، وصارت مقبلة عليه، ونبذوا الدنيا وراء ظهورهم، وعملوا لتوسيع قبورهم بالعمل الخالص، فكيف بنا نحن وقد صار تعبنا إلى بطوننا، والقلوب اشرأب عليها سحائب الران، ومع ذلك تعلمون علماً محيطاً أن الدنيا كالسراب يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، وأنها لم تزن عند الله جناح بعوضة، وقد ذمها الله تعالى: {ما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو}، ومع ذلك ضمن لنا الرزق، ولم يضمن لنا الجنة، قال تعالي: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}. وقد علم لديكم أن الإنسان إذا ركب الريح، لركب الرزق البرق ولحقه، وقد قسمه الله على ثلاثة أقسام: قسم لأعدائه يتمتعون به، وقسم للمتقين يتزينون به، وقسم للمؤمنين يتزودون به، فما لكم إلا الزاد، فهيا بنا إلى عمل الآخرة، فأن الدنيا عن قريب تمس بنا سافره، فما لي أراكم معرضين عن دار الكرامة، ومقبلين على دار المصائب والندامة، {كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} هيهات بين دار المتقين مع دار الظالمين، فينبغي لنا أن نجعل همنا في الله، عسى ولعل أن يكفينا سائر الهموم، وأن نجعل القناعة شعارنا ودثارنا، لأن من تمسك بها سما إلى ذروة المجد، قال تعالى مادحا القناعة: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} وقد أجمع المفسرون على أنها القناعة، وفي التوراة: القانع غني ولو كان جائعاً، فما دام أنتم منتسبين إلى هذا المقام، فلا تدنسوا دينكم بنيران الحطام، وإياكم والتواضع لأبناء الدنيا وقد ورد أن من تواضع لغني، ذهب ثلثا دينه، وأنهاكم عن الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور وقذف المحصنات والنظر إلى المحارم، فإن من ملأ عينه من محرم ملأها الله من حميم جهنم، والعياذة بالله، وأحذركم من اللغو والجدال والاشمئزاز والكبر والبطر والخلابة والبخل وكل ما ينهى الشرع عنه، وأحثكم على تقوى الله والشفقة على خلقه وخفض الجناح ولين الجانب وتوقير الكبير وابتداء السلام والتوسط في كل أمر والرضا بما أراد الله والوقوف عن كل ما نهى عنه خصوصا مخالطة النساء، وعليكم بالتأثير فإن القوم كان دأبهم التأثير، وعليكم بالجار ولو ذمي فتحملوا أذيته، وإياكم والوقوف على أبواب السلاطين والتطلب منهم، ولا تشكوا أمر لغير الله قط، فإن الله يوكل العبد إلى نفسه، ما دام يشكى لغيره، وحسنوا ظنكم في الله، وعليكم بالنوافل من صلاة الليل، والاستغفار ولو ألفا، وقد ورد: من أستغفر سبعين مرة كتب من المستغفرين بالأسحار، والصلاة الأنسية والتهليل، ليكن دأبكم الحديث: من كان أخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة.
والدكم: عبد الباقي عمر أحمد المكاشفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق