المشاركات الشائعة

الجمعة، سبتمبر 09، 2011

التبرك بالأنبياء والصالحين و آثارهم


                                             بسم الله الرحمن الرحيم

      مقدمة :
     الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد !
فهذه رسالة أخرى أقدمها للسادة القراء تنير الطريق لمن أراد الوصول للحقيقة.
وضعت فيها الشواهد والأدلة وأقوال العلماء الإجلاء التي تثبت بجزء منها جواز التبرك بالأنبياء والصالحين وآثارهم .
وإن التبرك بالصالحين وآثارهم ليس إلا أحد مظاهر التوسل إلى الله عز وجل بجاههم ومقامهم عند الله سبحانه وتعالى .
وقد استعنت لإتمام هذه الرسالة بكتب العلامة الشيخ عبد الله سراج الدين والعلامة الشيخ عبد الله الهرري نفعنا الله بهما وبآثارهما وبالصالحين جميعاً وغيرهم من العلماء .


التبرك بالصالحين وآثارهم
معنى البركة :
معنى التبرك هو طلب البركة .
والبركة : هي الخير والنماء . وهي تشمل الخير والنماء الحسي والمعنوي .
والمتبرك عندما يتبرك فإنما يطلب حصول البركة من الله عز وجل خلقاً وإيجاداً . أما الصالحين أو آثارهم ليست سوى سبباً لتلك البركة . فالتبرك هو في الحقيقة توسل إلى الله بهؤلاء الصالحين فالمطلوب والمسؤول هو الله .. والأسباب لا تملك أن تمنح الخير بشكل مستقل . إلا بإذن الله عز وجل . ولذلك كنا نرى الصحابة وهم أرفع الناس مقاماً وأكثرهم اعتقاداً وإيماناً بوحدانية الله .. ومع ذلك كانوا يبتدرون ماء وضوئه ويتباركون به .
بل إن الطبراني في الأوسط 1/243 وأبو نعيم في الحلية 8/203 من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال :
كان رسول الله يبعث إلى المطاهر فيؤتى بالماء فيشربه فيرجو بركة أيدي المسلمين .
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 1/241 " ورجاله موثقون وعبد العزيز بن أبي رواد ثقة ينسب إلى الإرجاء " .
ومع ذلك نرى بعض الاخوة المسلمين من ينكر على المسلمين إذا رأوهم يتبركون بآثار الأنبياء والصالحين ..وأحيانا يقولون : وما أدراك أن هؤلاء من الصالحين …؟؟
نقول : عن الأولياء والصالحين اتفقت الأمة على صلاحهم والأمة لا تجتمع على ضلالة كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
الأمر الآخر نحن مأمورون أن نحسن الظن بالمسلمين ..فإذا كان من نعتقد بصلاحه ليس بصالح- كما يدعي المعترضون- فإن المسلم غير مؤاخذ بحسن ظنه ..بل هو مثاب عليه .


التبرك بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم طلباً لشفاء المرضى :

جاء في صحيح مسلم كتاب اللباس والزينة ص 38 إلى أن ذكر من يأتي أسماء رضي الله عنها يسألها قال : فأخرجت إلي جبة طيالسة كسروا نية لها لبنة دبياج وفرجيها مكفوفين بالديباج فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها .

رسول الله صلى الله عليه وسلم يغمس يديه في الماء لتحلّ فيه البركة فيستشفى الصحابة بذلك الماء :

روى الإمام مسلم وغيره عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم ، فيها ماء ، فلا يأتونه بإناء إلا غمس فيه يده ، وربما جاؤوه بالغداة الباردة فيغمس يده فيها . فكانوا يتبركون بذلك الماء ويتشفعون به .


رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل يديه ووجهه ، ويمج في الماء ، ويأمر بالشرب منه والإفراغ على الوجه :
روى الشيخان – واللفظ لمسلم – عن أبي موسى الأشعري قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة ، بين مكة والمدينة ، ومعه بلال ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيّ فقال : ألا تنجزني يا محمد ما وعدتني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “ أبشر” فقال الأعرابي أكثرت عليًّ من : أبشر ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال لهما : “إنًّ هذا قد ردًّ البشرى فاقبلا أنتما “ فقالا : قبلنا يا رسول الله . ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء ، فغسل يديه ووجهه ومجًّ فيه ، ثم قال : “ اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ، وأبشرا” . فأخذا القدح ، ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فنادتهما أمّ سلمة من وراء الًّستر : أفضلا لأمكما في إنائكما , فأفضلا منه طائفة .

وفي هذا تكريم لأبي موسى وبلال رضي الله عنهما ، لأن في غسالة أطرافه أسراراً وأنواراً وبركات ورحمات .
وروى البخاري عن جابر رضي الله عنه قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا اعقل – وفي رواية : فوجدني قد أغمي علي – فتوضأ وصبًّ عليًّ من وضوئه ، فعقلت - أي أفقت من الإغماء – فقلت : يا رسول لمن الميراث ؟ إنما يرثني كلالة ! فنزلت آية الفرائض .
وفي الصحيحين عن أبي جحيفه رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة – أي الظهيرة – فأتي بوضوء ، فتوضأ ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر .. الحديث .

وروى الإمام أحمد عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : رأيت قبة حمراء من أدم – أي جلد – لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت بلالاً خرج بوضوئه صلى الله عليه وسلم ليصبّه – أي ليريقه – فابتدره الناس ، فمن أخذ منه شيئاً تمسح به ومن لم يجد منه شيئاً أخذ من بلل يد صاحبه .

وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي مرداس السلمي قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بطهور ، فغمس يديـه فتوضأ فتتبعناه – أي ماء الوضوء – فحسوناه – أي شربناه – فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ ما حملكم على ما فعلتم به ؟ “ قلنا : حب الله ورسوله ! قال : “ فان أحببتم أن يحبكم الله ورسولـه : فأدوا إذا أتمنتم ، واصدقوا إن حدثتم ، وأحسنوا جوار من جاوركم “.
نلاحظ من خلال هذه النصوص المذكورة كيف كان الصحابة يحرصون أشد الحرص على الظفر بغسالة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بل كل تمسه يده الشريفة .. وما ذلك إلا لأنهم يعلمون ما أودع الله آثاره وما مسه من بركات وأسرار ينتفعون به لأمر دينهم ودنياهم .
وإن فعلهم هذا واعتقادهم هذا لم يخالف أو يناقض عقيدة التوحيد لديهم .. لاعتقادهم أن المؤثر هو الله عز وجل وأن الرسول وكل ما يرتبط به مبارك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله التي تفيض على العالمين بركة ورحمة .

تبرك الصحابة بموضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسحهم به وبعد ذلك يمسحون العلل فتبرأ :

عن حنظلة بن حذيم قال : وفدت مع جدي حذيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدناني رسول الله ومسح رأسي وقال : “ بارك الله فيك “ .
قال الراوي عن حنظلة : فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالرجل الوارم وجهه أو الشاة الوارم ضرعها فيقول : بسم الله ، على موضع كف رسول الله عليه وسلم فيمسحه ، ثم يمسح الوارم فيذهب الورم .
رواه الطبراني في الأوسط وأحمد ورجاله ثقات . وقال الزر قاني : ورواه البخاري في تاريخه وأبو يعلى وغيرهم .


رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد عين قتادة بن النعمان بعد سقوطها .

روى الطبراني وأبي نعيم عن قتادة قال : كنت أتّقي السهام بوجهي دون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت – أي سقطت – منه حدقتي ، فأخذتها بيدي وسعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها في كفي دمعت عيناه فقال : “ اللهم ق قتادة كما وقى وجه نبيك ، فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظراً فكانت أحسن عينه وأحدهما نظراً .
وفي رواية : وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى .

نلاحظ توجه الصحابة رضوان الله عليهم بكلياتهم إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كل أمورهم الدينية والدنيوية والصحية وكل شيء فإذا ما ألم بهم أمر توجهوا مستغيثين متوسلين برسول الله صلى الله عليه وسلم مقالاً أو حالاً .
تقبيل الصحابة يد الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وتقبيل قدميه تبركاً وتقرباً إلى الله ورسوله .

عن أسامة بن شريك قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه كأنهم على رؤوسهم الطير ، فسلمّت ثم قعدت ، فلما قاموا من عنده جعلوا يقبلون يده . قال شريك فضممت يده إلي فإذا هي أطيب من ريح المسك . رواه ابن خزيمة والحاكم .
عن حصن بن وحوح الأنصاري ، أن طلحة بن البراء رضي الله عنه ، لما لقي النبي صلى الله عليه وسلم جعل يدنو منه ويلصق برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبّل قدميه ، وقال يا رسول الله مرني بما أحببت ولا أعصي لك أمراً ، فعجب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام – أي شاب حدث – فقال له عند ذلك : “ اذهب فاقتل أباك “ فخرج مولياً ليفعل ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : “ أقبل ، فإني لم أبعث بقطيعة رحم “ .

وفي هذا الباب أحديث كثيرة اقتصرنا على هذا للدلالة والتبيين لأنهم كانوا يقبلون أجزاء النبي متبركين .


تبرك الصحابة بأجزاء النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره في حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم .

كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون بأجزاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وثيابه وطعامه وشرابه ، وذاك لإيمانهم بأن أجزاءه الشريفة ، وآثاره الكريمة ، هي مليئة بالخيرات والبركات ، لأنها أجزاؤه وآثاره ، ونحن نورد من ذلك نماذج موجزة تعبر عما وراءها .
تبرك الصحابة بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وتكريمهم له وحرصهم عليه :
روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه ، وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل ، أي تعظيماً لها وتبركاً بها .
وفي الإصابة : جعشم الخير بايع تحت الشجرة وكساه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ونعليه وأعطاه من شعره صلى الله عليه وسلم .
وفي الصحيحين وغيرهما ، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الجمرة فرماها ، ثم أتى منزله بمنىً ، ونحر ، ثم قال للحلاق : “ خذ “ وأشار إلى جانبه الأيمن ، ثم الأيسر ، ثم جعل صلى الله عليه وسلم يعطيه – أي يعطي شعره – الناس .
وذلك - كما قال الحافظ الزر قاني – للتبرك به ، واستشفاعاً إلى الله تعالى بما هو منه صلى الله عليه وسلم وتقرباً بذلك إليه .
وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للحلاق “ها” وأشار بيده إلى الجانب الأيمن ، فحلق فقسم شعره صلى الله عليه وسلم بين يديه – من الصحابة – ثم أشار إلى الحلاق إلى الأيسر ، فحلق ، فأعطاه لأم سليم بنت ملحان والدة أنس .
وعند الإمام أحمد زيادة : وقلم صلى الله عليه وسلم أظفاره ، وقسمها بين الناس .
وفي رواية لهما : أنه صلى الله عليه وسلم دفع الأيسر إلى أبي طلحة وقال له : “ اقسمه بين الناس “ .
وفي رواية : أنه صلى الله عليه وسلم أعطى شعر الجانب الأيمن ، ثم أعطى شعر الجانب الأيسر ، وقال : “ اقسمه بين الناس “ .
قال الإمام النووي : وفيه التبرك – أي دليل التبرك – بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه 10 هـ .
وقال أبو عبد الله الأبي : إعطاؤه صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة ليس بمخالف لقوله : " اقسمه بين الناس " لاحتمال أن يكون أعطاه لأبي طلحة ليفرقه ، ويبقى النظر في اختلاف الروايات فـي شعر الجانب الأيسر : ففي الرواية الأولى أنه صلى الله عليه وسلم فرقه كالأيمن ، وفي الرواية الثانية أنه أعطاه أم سليم ، وفي الثالثة أنه أعطاه أبا طلحة ، وفي الرواية الرابعة أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الشقين لأبي طلحة . قال : فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الشعر لأبي طلحة على أنه يعطيه أبو طلحة لأم سليم زوجته ، لتفرقه على النساء 1 هـ أي فيكون شعر الأيمن للرجال وشعر الأيسر للنساء .

قال الحافظ الزرقاني : إنما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره في أصحابه ، ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم ، وكأنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى اقتراب الأجل ، وخص أبا طلحة بالقسمة ، التفاتا إلى هذا المعنى ، لأنه هو الذي حفر القبر الشريف ولحد له وبنى فيه اللبن 1هـ .
وروى البخاري عن محمد بن سيرين قال : قلت لعبيدة السلماني : عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه – أي حصل لنا – من قبل – أي من جهة – أنس ، أو من قبل أهل أنس ، فقال عبيدة : لأن تكون عندي شعرة منه ، أحب إلي من الدنيا ومافيها – وفي وراية الإسماعيلي : أحب إلي من كل صفراء وبيضاء يعني الذهب والفضة .

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه – أي يوم حجة الوداع – كان أبو طلحة أول من أخذ شعره صلى الله عليه وسلم .
وفي تقسيمه صلى الله عليه وسلم شعره الشريف يوم حجة الوداع ، بيان منه وإعلام بما أودع الله تعالى في جسمه وأجزائه الشريفة ، من الخيرات والبركات ، وبما خصه به من الأسرار والأنوار ، وأن ذلك في باب الحقيقة والواقع وليس من باب الظن أو التخيل    

ليست هناك تعليقات: