المشاركات الشائعة
-
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الصلاة والسلام لى رسول الله وبعد ..، من الله على هذه الأمة بوسائل جديدة إستغلها الفضلاء في خدمة دين الل...
-
: بعد أن ذكرنا وبينَّا تعريف التصوف وبينَّا موضوعه وثمرته وغايته ومقصده وحاصل ذلك كله هو تزكية النفس وتطهير القلب من الدنس والتحلي بالأ...
-
جعل الله تعالى من العبادة الأس الكوني الذي خلقت من اجله المخلوقات، ووأرساها ركناً لتجليات أسمائه الحسنى على العباد فقال في كتابه العزيز ...
-
يقول السهروردي رضي الله تعالى عنه (قال المشايخ في ماهية التصوف تزيد على ألف قول). وقال الشيخ أحمد رزوق في قواعده: وقد حد التصوف ورسم وفس...
بريرة...العقل والنفس المفقودة
جاء في الحديث الصحيح أن بريرة لما اعتقها أهلها كانت زوجة لمغيث العبد، فملكت أمر نفسها بالعتق، فطلقت نفسها(1). وكان مغيث شديد المحبة لها، وكانت شديدة الكراهية له، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك،فكلمها رسول الله في أن تراجعه، فقالت: أتأمرني يا رسول الله؟ قال: لا، ولكني أشفع. فأبت أن تراجعه،ولم يثربها رسول الله ولا المسلمون. هذا الحديث يشير إلى أن الجيل الذي رباه رسول الله كان جيلا مميزا؛ مميزا في عقله من حيث تشكله على قيم العقل المقاصدي الختامي الرسولي، ومميزا في نفسه ووجدانه من حيث قيم العزة والإباء والهمة والعزيمة(نفسية السيد الحر).
فهذه بريرة الأمة على الرغم من أنها عاشت العبودية والطاعة المطلقة للبشر جل عمرها والتي عطلت فيها عقلها ونفسها للسيد المطاع طوعا أو كرها.ولكن لما أسلمت وفهمت أهداف الرسالة ومقاصدها،ووعت أساليب الرسول في بناء الإنسان الحر ورفع الغبن والظلم ومنطق الإكراه الواقع على الناس من قبل السادة والأبائية والفرعونية والاعراف الجاهلية .فلما أمنت بريرة بتلك القيم والأهداف والأساليب لم تجد حرجا في تعاملها مع شخص النبي الموحى إليه بأريحية تامة حيث قالت له: أآمر أم شافع!!
بمعنى أنها كانت تفهم بأن شخص الرسول الكريم قد اجتمع فيه البعدان معا؛البعد الرسالي والبعد الانساني،لذلك كانت تميز بين ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بالبعد الرسالي(تشريعي= ملزم)،من البعد الانساني (قيادي+ جبلي=غير ملزم).أي كانت تميز بين ثلاثة مستويات دلالية في القرآن(الرسول،والنبي،ومحمد).والأجمل من ذلك هو تعامل معلم الخير للبشرية صلى الله عليه وسلم مع هذه الانسانة(الأمة)بمنتهى الرقة ودماثة أخلاقه؛فلم يعنفها ولم يثرب عليها.(2)
فإذا ما انتقلنا من الحقبة التي رباها رسول الله على يديه وتوجهنا صوب حقب ما بعد تدوين المصنفات،وتصنيف العلوم،وتوظيف النص الديني،نجد أن مؤشر العقل الرسولي والنفس الحرة الأبية يشير إلى العد التنازلي حيث تحول العقل من عقل مقاصدي رسولي ختامي إلى عقل تقابلي قياسي ابتدائي(حشوي).كذلك النفس انتقلت من نفس حرة أبية ترفض الذل والإستكانة إلى نفس تحمل جل جينات نفسية التابع(نفس العبد) !!
وأحسب أن وراء هذا التحول الخطير عملية مبرمجة لتدجين عقل المسلم ونفسه وذلك بالخطاب الديني؛إما منسوبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة كحديث قاعدة السمع والطاعة(تسمع وتطيع وأن أخذ مالك وجلد ظهرك).أو منسوبا إلى سلطة الاجماع كالاجماع على ولاية المتغلب،وحرمة الخروج عليه،وإسقاط مبدأ الشورى.أو منسوبا إلى شعارات تحمل في طياتها تهجين استعمال العقل والتفكير، وإدانة النفس والواقع، كشعار(عليك بالأموات فإنهم أبر قلوبا وأصدق عملا)،(لا تأمن على الحيى فتنة فعليك بمن مات).وفتح أبواب الزهد وإغلاق باب المناقشة والمراجعة والاجتهاد وذلك من خلال تصدير شعار لحوم العلماء مسمومة،بل وصل الأمر إلى وصم من يصف العالم بالعويلم تصغيرا له بأنه كافر،كما أجاب ابن بطين عندما سئل على ذلك حيث فقال:وأما قول القائل(فقيه)أو(عويلم)أو (مطيويع)ونحو ذلك،فإذا كان قصد القائل الهزل،أو الاستهزاء بالفقه،أو العلم،أو الطاعة،فهذا كفر أيضا،ينقل عن الملة،فيستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا!!
وبهذا الطوق من أساليب التدجين تحت غطاء التقديس للماضي ذاتا وقيمة بدون فرز للقدر الإلهي من القدر البشري،وإضفاء هالة التقديس على اجتهادات وفتاوى القرون الأولى،بل وإضفاء الخارق والعجيب على ذواتهم وسلوكهم كمن جعل محبة الإمام أحمد دليلا على الإسلام وبغضه دليلا على الكفر والزندقة.وبهذه المبالغة في الطرح والشرح،والخلط بين الشارع والشارح،وتقديس سلطة مثالية السلف والمدونة،فلم يجد المتلقي سبيلا إلا الخضوع والانقياد،وتعطيل عقله وذل نفسه لهذه المبالغات.مما أحدث فيه الدهشة والإندهاش الذي شل فيه القدرة على التفكير والنقد والتمييز،بل والاحساس بالنقد أصلا.كذلك سلطة مثالية السلف،جعلته ينزلق في مفردات(نفسية العبد)من إنكسار وذلة وتهجين الحاضر وجيله،وتمجيد الماضى وصانعيه،فترتب على ذلك القبول بعقيدة الجبر والقدر والاستسلام وعدم النهوض بالواقع وتجديده وتطويره.وتأمل في هذا البيان الذي أقره علماء المذاهب والمحدثون وعلى رأسهم الإمام أحمد،ومما جاء فيه:الرضا بقضاء الله،والتسليم بأمر الله...والإيمان بالقدر خيره وشره من الله،وترك المراء،والجدال والخصومات في الدين،والإيمان يزيد وينقص، والقرآن كلام الله،والصبر تحت الواء السلطان على ما كان فيه من جور وعدل ولا يخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا.
أما سلطة المدونة،فقد حملت المتلقي لها على إيلاء علماء المدونات واجتهاداتهم قيمة مقدسة هي من قيمة العلم الذي اشتغلوا به،فبقدر ما يحاط النص ومبلّغه بالمفارق والعجيب،يحاط المشتغل بهما بالاجلال وتميز المعاملة الاجتماعية.كل ذلك اسهم في أهمال المعطيات التاريخية ومبادرات الصحابة الاجتهادية،وأبراز منهج التبديع والإدانة لكل مخالف لنص المدونة.ولعل في قصة المحدث القاضي أحمد بن عمر بن سريج،إمام الشافعية في النصف الثاني من القرن الثالث للهجرة واشتهر بردوده على المتكلمين،قال:أريت البارحة في المنام كأن قائلا يقول لي: هذا ربك تعالى يخاطبك،قال فسمعت بماذا أجبتم المرسلين؟ قال:فقلت بالإيمان والتصديق.قال:فقيل:بماذا أجبتم المرسلين؟ قال فوقع في قلبي أنه يراد مني زيادة في الجواب.فقلت:بالإيمان والتصديق،غير أنا قد أصبنا من هذه الذنوب.فقال:أما أني سأغفر لك.
ونورد لك قصة المحدث محمد بن نصر الذي كان يلقى من السلطة معاملة مميزة معنويا وماديا من والى خراسان اسماعيل بن أحمد.ويبرر الوالي مبالغته في إجلال هذا المحدث بأنها منصوح بها شرعا،والرسول نفسه هو الذي نصحه بها عندما ظهر له في المنام!! كذلك يحيي بن معين أدخل الجنة وزوجه الله من ثلاثمائة حوراء.وعبدالله بن المبارك بين الرسول له مآله،وأبو زرعة أمره الله أن يلتحق بطبقة المحدثين في الجنة!!
وبهذه العملية التدجينية صار عقل المسلم ونفسه أمام حالة من درء التاريخية عن بعض النصوص،ودرء البشري عن السلف،ودرء سلطة المقاصد عن النصوص باعتبارها سلطة أحكام لا سلطة مقاصد.ولا شك أنه في كل ذلك مخالف للبحث العلمي الذي يحتم قراءة النص في محيطه التاريخي واعتبار نسيجه الاجتماعي (اي جعله معاصرا لنفسه)،وهذا أمر علمي بحت.كذلك فأن قراءة النص في محيطنا الواقعي واعتبار نسيجنا الاجتماعي(أي جعله معاصرا لنا)،فهذا أمر ضروري لفهم النص الثاوي ومحاولة إيقاع مقاصده على مناطه،وهذا هو المنطق ؛فبما أن المنطق تعبير،فإنه بالضرورة تأويل،وبالتالي اختيار،وكل ذلك في إطار التجادل بين النص والعقل والواقع.
فهل من سبيل إلى نفس حرة أبية،وعقل ناقد،يمارس حقه في التفكير والفهم والإيقاع دون خوف أو تزلف،ولا تهميش أو تقديس،ولو على قدر عقل ونفس الأمة بريرة ؟!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بريرة أمة ،ومغيث عبد، وهذا واقع لم يؤسسه القرآن وإنما كان قبل نزوله،وقد عالجه القرآن بطريقته الخاصة حيث فتح له مجالات صرف العبودية عن طريق الكفارات إيذانا بإلغائه بأسلوب التدرج القرآني المعروف.وكما لا يخفى أن أحكام الرق الواردة في القرآن أصلا من النصوص التي ارتبطت بالسياق التاريخي والنسيج الاجتماعي وقت التنزيل،وهي أحكام قد فارقها الواقع بحيث صارت أحكاما إخبارية وليست إنشائية
2-للمزيد تأمل منهج عمر،وعلي،وعائشة،،وابن مسعود،والحباب ابن المنذر عندما قال لرسول الله يوم بدر:أمنزل أنزلك الله أياه،أم الحرب والمكيدة.والواضح أن هذا المنهج كان روحا تسري في المجتمع الأول بين طبقاته المتنوعة،حتى دونت المدونات،وتم توظيف الديني لصالح السياسي!!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق