تعددت الأقوال وكثرت في تعريف معنى التصوف ولكن جميع هذا الأقوال تنصب في مفهوم واحد وتخرج من مشكاة واحدة وتعدد الأقوال في هذا العلم يثبت حقيقته العالية والراقية وتبين كم هو علم جليل وسامي ولو لم يكن كذلك لما تفنن العرافين في تعريفه فهو أكثر العلوم في معانيه إذ كل الأقوال تستخرج اشتقاقاتها من أوصاف حسنة وهذا ينطبق على المعنى اللغوي أو الاصطلاحي أو العرفي لأن جميع من تناول التصوف بالتعريف ذكروا له أوصاف جليلة وراقية مما يدل على علو شأن هذا العلم ورفعته واختلافهم في وصفه جاء من اختلاف الرؤى لهذا الأمر العظيم فكل من وصفة وصف جهة معرفته وتذوقه له كما لو اجتمع قوم حول جبل شاهق عظيم وأرادوا وصفة فكل واحد مهم يصفه من جهة ما يرى ويلمس ويدرك وقد تختلف الأوصاف بشكل ما ولكنها جميعا تؤكد وصفا لشيء هائل وكبير فلذلك جمعنا أهم التعريفات لهذا العلم الجليل ومن خلالها يتجلى بوضوح معنى التصوف واليك هذه التعريفات :
· قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحم الله تعالى ( التصوف علم يعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية ) هامش الرسالة القشيرية ص 7
· ويقول الشيخ احمد بن زروق رحمه الله تعالى في كتاب قواعد التصوف قاعدة 13 : ( التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله تعالى عما سواه والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام والأصول وعلم التوحيد لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان كالطب لحفظ الأبدان وكالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك )
· وقال سيد الطائفتين الأمام الجنيد البغدادي رحمه الله تعالى كما ورد في كتاب النصرة النبوية للشيخ مصطفى المدني ص 22 ( التصوف استعمال كل خلق سني وترك كل خلق دني )
· ويقول الإمام أبو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى كما جاء في كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 93( التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية )
· وقال ابن عجيبة رحمه الله تعالى : (التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك , وتصفية البواطن من الرذائل وتحليتهابأنواع الفضائل وأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة)
· وقد ذكر الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء تعريفا للتصوف في كل ترجمة من تراجم كتابه تقريبا وفي كتابه أكثر من ألفي ترجمة
· قال سمنون : التصوف ان لا تملك شيئا ولا يملكك شي الرسالة القشيرية 2/552
· وقال معروف الكرخي : (التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق )عوارف المعارف 313
· وقال الكتاني : (التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف ) المدخل إلى التصوف المهدلي ص 69
· وقال الشبلي : (التصوف الجلوس مع الله بلا هم ) المدخل إلى التصوف المهدلي ص 70
· وقال عمرو بن عثمان المكي : التصوف ان يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في الوقت ) المدخل إلى التصوف المهدلي ص 71
· وقال أبو عمر بن الجنيد : التصوف الصبر تحت الأمر والنهي المدخل إلى التصوف المهدلي ص72
· وورد عن الجنيد : التصوف عنوة لا صلح فيها والمراد بالعنوة الجد والتعب والمراغمة
· وقال أبو سليمان الداراني : التصوف ان تجري على الصوفي أعمال لا يعلمها إلا الحق وان يكون دائما مع الحق على حال لا يعلمها إلا هو)المدخل إلى التصوف المهدلي ص 79
· وقال ابن خلدون في تعريف التصوف : العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا والزهد فيما يقبل علية الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة )مقدمة ابن خلدون دار القلم ص 467
· وقال بعض العارفين :
الجد في السلوك إلى ملك الملوك
وقالوا هو الموافقة للحق والمفارقة للخلق
وقالوا هو ابتغاء الوسيلة إلى منتهى الفضيلة وقالوا هو حفظ الوفاء وترك الجفاء
وقالوا : 0 هو الرغبة إلى المحبوب في درك المطلوب
وقالوا في تعريفات ( الصوفي )
· قال الأمام أبوعلي الروذباري : هو من لبس الصوف على الصفاء وأطعمه الهوى ذوق الجفاء وكانت الدنيا منه على القفا وسلك منهاج المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
· وقال الإمام سهل بن عبد الله التستري : الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر
· وقال ذو النون المصري : الصوفي من لا يتعبه طلب ولا يزعجه سلب. مدخل إلى التصوف المهدلي ص 67
· وقال بشر الحافي : الصوفي من صفا الله قلبه
· وقال بعضهم
علم التصوف علم ليس يعرفه إلا اخـو فطنة بالحـق معروف
وليس يعرفه من ليس يشـهده وكيف يشهد ضوء الشمس مكفوف
وبعد أن بينا كل هذه التعريفات للتصوف تجلي بوضوح أنه علم جليل عظيم وكله نابع من مشكاة النبوة وتعاليمها فهو تارة يأتي بمعنى الزهد وتارة بمعنى الأخلاق وتارة بمعنى الصفاء وتارة بمعنى المجاهدة وتارة بمعنى الاستقامة والالتزام بالشريعة وتارة بمعنى التسليم وتارة بمعنى الإخلاص وتارة بمعنى ترك التكلف وكل هذه تتجلى بمعنى واحد وتدور حول مراد واحد وهو تزكية النفس وجعلها كما يريد المولى عز وجل ، وهذا هو التصوف الصحيح وعلى هذا يجب ان يكون وينبغي ان يتوفر فيه كل ما ذكر من الصفات حتى يكون التصوف موافقاً للشريعة الغراء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق