المشاركات الشائعة

الجمعة، ديسمبر 09، 2011

صور





أسماء العلماء قيما وحديثا الذين قالوا بإباحة الإنشاد بالمعازف


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الصلاة والسلام لى رسول الله وبعد ..،

من الله على هذه الأمة بوسائل جديدة إستغلها الفضلاء في خدمة دين الله ، ومنها الفضائيات .. ولما تنوع العمل الإسلامي كان الثراء والخير في كل مكان ..

لكن إقتضت مشئية الله الغالبة أن يظل الخلاف قائما بين العلماء - وفي هذا سعة ورحمة لمن يتدبر ! - ولكن ما يحزن القلب ، ويبكي العين ، أن ينكر شخص ما على آخر العمل بشئ فيه خلاف قائم ومحترم ..

وقد لاحظت هذا مؤخراً منتشراً بكثرة - خاصة في أمر الموسيقى - وهذا لغياب الفهم وليس العلم !!
لأن الذين ينكرون أمر الموسيقى مع الغناء الهادف علماء أجلاء ، ولابد أنه قد مر عليهم أقوال السلف الخلف في خلافهم في حكمها ..

إذ قال بعضهم بحرمته جملة وتفصيلاً .. وله دليله .
وقال بعضهم بإباحتها - وقلما تجد من يعرفهم - ولهم أدلتهم وحججهم

ومن هؤلاء العلماء الربانيين الذي قالوا بإباحتها
الإمام الشوكاني في كتابه إبطال دعوى الإجماع في تحريم مطلق السماع
الإمام عبد الغني النابلسي في كتابه إيضاح الدلالات في سماع الآلات
سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه رسالة السماع وقواعد الاحكام
ابن قتيبة في كتابه الرخصة في السماع
القيسراني في كتابه السماع
ابن طاهر المقدسي في كتابه السماع
الحافظ الذهبي في كتابه الرخصة في الغناء والطرب
أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين
أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب
القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه أحكام القرآن
الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه المحلى .



وقد كتب علماؤنا الأجلاء في عصرنا كتباً كثيرة أيضا في مسألة إباحة الغناء بالمعازف ، ولعلي أذكر الآن منها :
كتاب فتاوى معاصرة للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي
كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث للعلامة الشيخ محمد الغزالي فإن فيه فصل عن الغناء والمعازف
كتاب الغناء والمعازف في الإعلام المعاصرللدكتور محمد المرعشلي
كتاب الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام للشيخ عبد الله الجديع
كتاب أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترفيه الهادف للدكتور سالم الثقفي
كتاب القول المنصف في الغناء والمعازف للشيخ عبد الباري الزمزمي
كتاب الإسلام والفنون الجميلة للدكتور محمد عمارة ، وغيرهم .

وقد كان ولازال يفتي كثير من العلماء أن الغناء بالمعازف جائز – إذا خلا من فحش القول – ومن هؤلاء الشيخ حسن العطار ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ على الطنطاوي ، والشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم الكثير والكثير(1) .

وقد عمل بقولهم كثير من بني جلدتنا ؛ خاصة أنه لم يرد دليلٌ صريحٌ صحيحٌ من القرآنِ والسنةِ بتحريم الغناء والموسيقى ، فيبقى الأمرُ على الإباحةِ الأصليةِ ، إذْ الأصل في الأشياءِ الحل ، وكل الأدلة التي ذكرها المانعون لم تسلم من النقد إما في صحة الحديث أو في دلالتها .

توهذا ليس معناه أنهم أباحوا كل الغناء !! لا ؛ فقد ذكر فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي - وغيره ممن أباحوا الغناء - ضوابط يجب على المستمع والمغني وكل مَن له صلة بواقع الغناء مراعاتها حتى لا يخرج الأمر من المباح إلى الحرمة نوجزها فيما يلي :
سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية ، سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء ، تجنب الإسراف في السماع فإذا كان الغناء يستثير غريزته ، ويغريه بالفتنة ، ويسبح به في شطحات الخيال ، ويُطغي فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني ؛ فعليه أن يتجنبه حينئذ ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه .

يقول الشيخ محمد الغزالي لمن يحرمون الغناء كله :
" إن الإسلام ليس دينا إقليميا لكم وحدكم، إن لكم فقها بدوياً ضيق النطاق ! وعندما تضعونه مع الإسلام في كفة واحدة ، وتقولون : هذه الصفقة لا ينفصل أحدها عن الآخر، فستطيش كفة الإسلام وينصرف الناس عنه ، وهذا ظلم كبير لرسالات الله وهداياته !! إنكم تستطيعون إعلان حرب شعواء على الغناء الوضيع ، وستجدون من يؤيدكم من أهل الأرض ! أما الزعم بأن الإسلام حرب على الفن كله خيره وشره فلا !! .. إن أهل القارات لهم غناء يجتمعون عليه، فميزوا الخبيث من الطيب ثم دعوا لهم ما يستحبون "(2) . ا.هـ
` نعود فنقول كما أن هناك فريق من أهل العلم سلفاً وخلفاً قالوا بإباحة الإنشاد بالمعازف ، فإن هناك فريق من أهل العلم أيضا قالوا بالتحريم بالرغم من كل الأدلة التي أوردها هؤلاء الأعلام لأن لكل منهم حجته ودليله ؛ لكن في الوقت ذاته أرى أن من الأولى عدم الإنكار على من أخذ برأي من أجازوا خاصة إذا علمتم أنه " لا إنكار فيما اختلف فيه " .

هكذا كانوا .. ونحن كيف صرنا!!

فإن الذي جعل السلف رضوان الله عليهم في وحدة ومنعة ، وفي بُعد عن التشاحن والتباغض رغم اختلاف آرائهم هو إدراكهم أنه لا إنكار من مجتهد ولا إنكار على أمر مختلف فيه ، فلكل رأيه الذي يجب أن يُحترم ، ولكل اجتهاده الذي ينبغي أن يُقدر ما دام المجتهد موثوقاً في دينه وأمانته وعلمه وتقواه.
فهذا ابن قدامة المقدسي رحمه اللهيقول : ويشترط في إنكارالمنكر أن يكون معلوماً كونه منكراً بغير اجتهاد، فكل ما هو في محل الاجتهاد، فلاحسبة فيه .مختصر منهاج القاصدين ص 113
وورى أبو نعيم في الحلية (6/368) بسنده عن الإمام سفيانالثوري رحمه الله قوله: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى غيره، فلا تنهه.
وروى الخطيب البغدادي : عن سفيان الثوري قوله: " ما اختلف فيهالفقهاء فلا أنهى أحداً من إخواني أن يأخذ به.الفقيه والمتفقه، 2/69
ونقل ابن مفلح فيالآداب الشرعية (1/186) عن الإمام أحمد رضي الله عنه تحت عنوان : " لا إنكار على مناجتهد فيما يسوغ فيه خلاف في الفروع " ما نصه : " وقد قال أحمد في رواية المروزي : لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم.
وقال النووي : ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أماالمختلف فيه فلا إنكار فيه " . تنبيه الغافلين ، ص 101
وفي الفتاوى سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يقلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد: فهل ينكر عليه أم يهجر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين ؟
فأجاب: الحمد لله ،مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحدالقولين لم ينكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان: فإن كان الإنسان يظهر له رجحانأحد القولين عمل به وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين،والله أعلم .

ولهذا فإن أصحاب رسول الله إجماعهمحجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة؛ فلقد قال عمر بن عبد العزيز: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهمإذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل بقول هذا، كان في الأمر سعة .

لذا اعلموا أيها الأحباب أن الخلاف في المسائل الاجتهادية – كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي - التي لم يرد فيها نص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة لا يجوز أن يؤدي إلى تفرق أو تنازع ، فقد خالف الصحابة بعضهم بعضًا ولم يُحدِث ذلك بينهم فرقة ولا عداوة ولا شحناء ؛ وقد كان في الصحابة والتابعين ومن بعدهم من يقرأ البسملة في الصلاة ومنهم من لا يقرأها ، ومنهم من يجهر بها ، ومنهم من لا يجهر بها ، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت في الفجر، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ، ومنهم من يتوضأ مما مسته النار، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك ؛ وغير هذه الأمور الهامة الكثير والكثير ..
ومع هذا فكان يصلي بعضهم خلف بعض مثلما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم - رضي الله عنهم - يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم، وإن كانوا لا يقرأون البسملة، لا سرًا ولا جهرًا.
وصلى هارون الرشيد إمامًا، وقد احتجم، فصلى الإمام أبو يوسف خلفه، ولم يعد صلاته ، وكان قد أفتاه الإمام مالك بأنه لا وضوء عليه من الحجامة .
وكان الإمام أحمد يرى الوضوء من الرعاف والحجامة، فقيل له، فإن كان الإمام خرج منه الدم ولم يتوضأ، هل تصلي خلفه؟ قال: كيف لا أصلى خلف مالك وسعيد ابن المسيب؟!
وصلى الشافعي قريبًا من مقبرة أبي حنيفة، فلم يقنت تأدبًا معه. راجع كتاب حجة الله البالغة 1/159 لشاه ولي الله الدهلوي .

أين أدب الخلاف!
يقول الشيخ حسن البنَّا : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا .. وما حديث صلاة العصر في بني قريظة منكم ببعيد ؛ وإذا كان هؤلاء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعرفهم بقرائن الأحكام، فما بالنا نتناحر في خلافات تافهة لا خطر لها؟ وإذا كان الأئمة وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنة رسوله قد اختلف بعضهم مع بعض وناظر بعضهم بعضا، فلم لا يسعنا ما وسعهم؟ وإذا كان الخلاف قد وقع في أشهر المسائل الفرعية وأوضحها كالأذان الذي ينادى به خمس مرات في اليوم الواحد، ووردت به النصوص والآثار،فما بالكم بدقائق المسائل التي مرجعها إلى الرأي والاستنباط ؟!


من الدين كشف الستر عن كل كاذب *** وعن كل بدعي أتى بالعجائب 



ولولا رجـــــــــال مؤمنـــون لهدمت *** صوامع دين الله من كل جانب

اللهم اني اشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، انت رب المستضعفين وانت ربي لا اله الا انت ، الى من تكلني ؟ الى بعيد يتجهمني ، ام الى عدو ملكته امري ، ان لم يكن بك سخط علي فلا ابالي غير ان عافيتك هي اوسع لي ، اعوذ بنور وجهك الكريم ، الذي اضاءت له السموات والأرض وأشرقت له الظلمات ، وصلح عليه امر الدنيا والآخرة من أن يحل علي غضبك او ينزل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة لنا الا بك

كيف تصبح سلفيا عصرياً (( وهابيـــــاً ))

بسم الله الرحمن الرحيم 

انقل لكم كتاب ( كيف تصبح سلفيا عصريا ( وهابيا ) 


كيف تُصبح سلفياً معاصراً (وهابيًا)


بقلم : رائد العشيرة المحمدية الإمام الراحل الشيخ محمد زكي إبراهيم - من علماء الأزهـر-

نشره في مجلة ( المسلم ) في العدد الثالث فيشهر شوال 1401 هـ ! أي قبل 25 عاما .



بسم الله الرحمن الرحيم


السلفية العصرية هي النموذج الجديد أي ( الموديل العصري ) للإعلان عن التدين الحديث والإسهام في التطرف والتشدد والتناديالعصبي بالانفراد بخدمة الإسلام ويمكن تلخيص ( السلفية العصرية ) في بعض أصولها ومعالمها وقواعدها في ما يأتي :


أولا: أن تعتقد انك وحدك ( لا شريكلك ) على الحق وان كل من لم يكن على ما أنت علية فهو مبطل خاطئ بل مرتد حلال العرضوالدم والمال حتى ولو أوتي علم ( سيدنا ) محمد وتعبد موسى وزهد عيسى وخلة إبراهيم وصبر أيوب وكفاف نوح وبخاصة إذا كان حاكما أو عالما سابقا أو مجتهدا من المشاهير.


ثانيا: أن تعتقد انه لن يدخل الجنة معك أنت وطائفتك احد أبدا ، وانالمسلمين من غير مذهبك كالكفار والمشركين هم وقود النار ولو كانوا من الذين انعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين .


ثالثا: أن تحتقر كل من خالفك وتحقد عليه بغِلٍ ظاهر وباطن ، وان تحاول هدمه وتحطيمه قولا وعملا بمايجوز ومالا يجوز وان تجعل سبه وشتمه عبادة من عباداتك التي لا تنتهي ولا تفتر في ( الحش ) أو في الدرس أو على المنبر !!.



رابعا: أن تعتقد أن الأكوانأزلية مع الله ، وان الله يجلس على العرش بذاته ، وانه ينزل ويصعد ويجيء ويضحك ويغضب ويذهب ، وان له أعين وأيدي وأرجل ، وانه لو دُلي شخص من الأرض بحبل لسقط علىالله بلا تأويل .


خامسا: أن تعتقد أن رسول الله المصطفى صلى اللهعليه واله وسلم بشر ككل البشر ولد كما يولد ( شمعون وبطرس ) ومات كما مات ( غانديوغاليوم ) ، وانه لا معجزة له إلا القران ، وان من نسب إليه غير ذلك من المعجزات أوالخصائص مخرف ابله ، ولو كان البخاري ومسلم ، ثم قل إن أباه صلى الله عليه والهوسلم وأمه وجده وعمه في النار .


سادسا: إن عصمته صلى الله عليهواله وسلم كانت محدودة في منطقة معينة ، وإلا فهو يخطئ ويصر على الخطأ ، ويا طالما (قرعه ربه ) على خطئه ، وأن كل ميزته أنه ( طارش ) يعني ( ساعي ) قرآن ، أداهبالأمانة ، وأن توقيره وتعزيره والثناء عليه شرك .


سابعا : عندماتقصد إلى المدينة المنورة ، إياك أن تفكر في زيارة القبر الأشرف الأطهر ، ولكن اجعلمقصدك زيارة ( أحجار ) المسجد ، فذلك هو المطلوب الشرعي ، لكيلا تقع في وثنية حبرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، أو مناجاة روحه الشريف .



ثامنا : ولا بد أن تتذكر أن ( جهلة ) الصحابة ، و ( حمقى )التابعين قد أدخلوا القبر النبوي ضمن المسجد ( فاستوجبوا اللعن ) حتى أصبحت الصلاةفي المسجد النبوي مشبوهة ، لا يطمئن سلفي إلى صحتها ، وأن ملايين الملايين منالزائرين للقبر النبوي مردودة عليهم عباداتهم ودعواتهم لارتباط القبر الطاهربالمسجد .


تاسعا : إذا ذكرت مولانا الإمام بن الإمام أخيالإمام أبي الأئمة سيد شباب أهل الجنة ، أبي عبدالله الحسين بن علي وفاطمة ، فقل : إنه قتل عدلا ، وليس شهيدا ، لأنه خرج على الوالي الشرعي ( يزيد بن معاوية ) فاستحقالقتل هو ومن معه ، أما أن ( يزيد ) كان واليا فاسقا فاجرا داعرا ، فليس هذا من شأنالحسين ، ولا من شأن أهل بيته ، وأكثر من سب الحسين وآله تدخل الجنة .



عاشرا : إذا ذكرت زيارة المشهد الحسيني الشريف ، فقل : إن الرأسالمدفون بهذا المشهد هو رأس رجل يهودي على ما قاله ( ابن تيمية ) ، وأن الرأسالحسيني ذهب حيث ذهب ، فلم يدخل مصر ، وأن الضريح القائم بمصر الآن ( وثن ورجس ) يتعين هدمه وتسوية قبته بأرضه ، كما فعل السلف باللات والعزى .


حادي عشر : وقل مثل هذا عن جميع أهل البيت الأشرف نساءً ورجالاً فيمشاهدهم ومساجدهم ، وألحق بهم كبار الأئمة من أمثال الشافعي والليث بن سعدوالشعراني والبدوي والدسوقي والحنفي والشاذلي والمرسي والرفاعي ومن والاهم ، وقلإنها جميعا طواغيت وأصنام ، والمشغولون بها وثنيون ، خير منهم عباد البقر ، وأنكتستطيع بقليل من العمل أن تبلغ درجاتهم فتكون مثلهم أو تزيد عليهم .

ثاني عشر : أنكركافة مذاهب أهل السنة بدءا بالمذاهب الأربعة وما سبقها أو لحقها ، ولا تعترف إلا بـ ( ابن تيمية وابن عبدالوهاب ) ثم بمروجي مذهبهم والدائرين في فلكهم من عبيد الدولاروالدينار ، وقل : إن أئمة المذاهب الأربعة ومن والاهم ( مجرمون ) فرقوا الأمة ،وصرفوا الناس بقضاياهم الفقهية عن السنة والحديث الشريف ، وأنه لا حاجة بنالاجتهاداتهم ، أو الاقتداء بهم ، وأن على كل مسلم أن يعمل ليحصل شروط الاجتهاد قبلتحصيل المعاش ، حتى يتناول الأحكام من الكتاب والسنة مباشرة ، مهما كانت ثقافته ،أو إحاطته بعلوم اللغة والدين ، سواءً في ذلك سكان الأدغال أو قمم الجبال أو خريجيالأزهر .


ثالث عشر : اعتقد قبل كل هذا وبعده ، أن إعفاء اللحية هوركن الإسلام ( السادس ) الذي أغفل ذكره رواة الحديث الذين ذكروا أركان الإسلاموجعلوها خمسة فقط بينما هي ( ستة ) تماما ، وقل : إن أئمة المذاهب تآمروا علىالإسلام فلم يجعلوا توفير اللحية شرطا لصحة الإسلام أو الإيمان أو الإحسان ، ولميجعلوا ترك إعفائها مفسدا للصلاة والصوم والزكاة والحج جميعا ، ولم يقولوا : إن تركإعفائها ردة تخرج من دين الله ، وأنه لا يطلق على الحليق لفظ مسلم أبدا بأي وجه ،ولا بأي تأويل ، ولا بأي دليل ، مهما صلى وصام وزكى وحج والتزم حدود الله ، وأنالحليق مستوجب لعقوبة الردة والحرابة .


رابع عشر : احمل بكل عنف ،بل بكل وقاحة على جميع مواسم المسلمين وأحفالهم وتقاليدهم مهما يكن لها سند أواستنباط أو قياس ، واتهم كل من يشترك فيها عالما كان أو جاهلا بالشرك والكفر ،والفسوق والعصيان ، والردة والجهل بمعالم الإسلام ، وداوم التشويش والتشبيه ، خلطابين سنن العادة والعبادة ، وخالف في كل شيء ، واستلفت إليك الأنظار ، واعزل نفسك عنالمجتمع قولا وعملا .



خامس عشر : وجه كل جهودك إلى تدمير البناء ( الصوفي ) ، أصيله ودخيله ، مليحه وقبيحه ، واجعل ذلك همك الأول والأخير وغايتكالدنيا والقصوى ، ولا تقبل في ذلك حجة ولا بيانا ، حتى إن كان من كلام إمامك ابنتيمية ، وانس كل النسيان ما في البلاد الإسلامية من مآسي التفريق والتمزيقوالخلافات والحروب والأخطار ، ومن شراسة التنصير والتبشير ، وكوارث الإبادة وفواجعالانحلال و اللادينية ، وأهوال الشيوعية ، وفساد الأخلاق والعقائد الذي تبثه وسائلالإعلام المقروءة والمنظورة و المسموعة ، وخطط القضاء على الإسلام التي تدبرهاالصليبية واليهودية والفوضوية والماركسية بمراتبها المختلفة في كل وطن فيه واحد منأهل القبلة بالأرض كلها .

فكل ذلك هين ، وهين جدا ، بجوار واجب هدم التصوفو تدمير بنائه ، سواء بالترغيب والإغراء أو الترهيب و الإيذاء .


سادس عشر : لا تعترف بغير العروبة والعرب في المحيط الإسلامي ، رغمكفاح الإسلام للعصبيات والعنصريات ، وقل : إن التُرك والكرد والروم والفرس ، وكل مندخل الإسلام من غير العنصر العربي ، إنما دخلوه ( شعوبية ) ليقضوا عليه من الداخلبوسيلة أو بأخرى ، وأن كل مجد أضيف إلى الإسلام من غير العرب إنما هو أضلولةوأكذوبة ، وأن له دوافع باطنية كلها خطورة لا يفهمها إلا المتسلفون وحدهم ، وأن غيرالعرب هم الذين أدخلوا على الإسلام من الأقوال والأعمال ما سبب ويسبب له الضياعوالتخلف حتى ابتلاء العرب بالدولار والدينار .


سابع عشر : فإذااحتجوا عليك بأمثال البخاري وأبو حنيفة والجرجاني والغزالي ، والمئات من كبار علماءالإسلام غير العرب في كل علم وفن ، وأمثال صلاح الدين الكردي وقطز وبيبرس وبرسبايالمملوكي ومحمد الفاتح التركي ، فقل : هذه فلتات ، أو هي أستار تحجب ما وراءها عمدالأمر ما ، أو ابحث لكل واحد منهم عن شبه نقيصة تقضي بها على ما نسب إليه من أفضال ،فإذا سلم لك واحد وقال : إن الله حكم بأن الحسنات يذهبن السيئات ، فقل : هذه قاعدةلا تنطبق على هؤلاء الأعاجم ، وأنها خاصة بالعرب وحدهم ، وإن جاءوا بما عجز عنهالشيطان !! .


ثامن عشر : قل بلا يحفظ عن كل ( حديث نبوي ) لا يؤيدوجهة نظرك هو ضعيف أو موضوع ، واجعل من سنن العادة سنن عبادة أو العكس ، بلا أصولولا قواعد ، إلا مزاجك الشخصي ، فالمزاج هو ميزان الشرع في التسلف المعاصر .



تاسع عشر : لا تتوسل إلى الله مبتهلا إليه بواحد من صالحي المسلمين، حيا أو ميتا ، ولا بسيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وقل : إن هذا هو عينالوثنية والشرك مهما يكن دليله وشروطه وتفاصيله ، ولا نفرق بين ( المسئول ،والمسئول به ) ، وغالط كلما أعجزك الدليل ، وداور وناور ، وأخرج المسلمين من دينالله جميعا بالتوسل .



لا تأتم في الصلاة برجل ليس منشيعتك ، مهما يكن دينه وعلمه وفضله وسابقته في الدعوة إلى الله ، وإياك والصلاة خلفالحليق و الصوفي إياك .



لا تدخل مسجدا لغير طائفتك ، وقل عن بقيةالمساجد إنها ( كنائس وبيع ) أو تكاد ، خصوصا إذا كان بها ( قبلة ) أو منبر مرتفعأو ضريح !! .


لا تعامل من ليس من مذهبك بل احتقره وازجره ، وامنعكل خير يصل إليه ، فمن ليس من مذهبك فهو مبتدع أو وثني أو مشرك نجس .


العن المرأة ، أصابت أم أخطأت ، وأهدر آدميتها ، مهما اعتصمتبمظهر الإسلام ومخبره ومحضره ، فاحترام المرأة هو الكبيرة الثامنة التي لم يذكرهاالمحدثون فيما ذكروا من الكبائر السبع.

أخيراً ، قل : نحن أهلالإسلام لا سوانا ، ومن عدانا فهو عدو الإسلام وعلينا كفاحه ، ومن ليس منا فهوعلينا ، وليذهب كل أهل القبلة سوانا إلى جهنم .


أما بعد : فهذا أصول من أبرز أصول ( السلفية المعاصرة ) ، يعلم الله أننا لم نتزيد فيها شيئا، بل تركنا من معالمها الأساسية كثيرا جدا ، رأينا أن ما ذكرناه هنا إنما هو يدلعليه ، أو هو ملحق به ، أو هو أثر طبيعي له ، وبعض ما تركنا من المثير الذي نعف عنالإشارة إليه ، احتراما للشريعة والعقول والآداب .



وأعلم أن اعتناقهذه ( السلفية ) أيسر السبل إلى الثراء العاجل والربح المريح ( وانظر حولك ) ،والتحق بركب ( الغترات والمشالح ) تكسب دائما ( والخيار لك ) .


والمطلوب منك الآن أن تضع هذه ( المبادئ أو القواعد أو الأصول أوالمعالم ) التي سجلناها لك هنا في ميزان الشرع والعقل ، متجردا من التعصب ، معتصمابالإنصاف ، مراعيا ربك عزوجل في كل ذلك .


فسوف لا ترى شيئا من هذهالصفات يرجح في ميزان عدالة الشرع الشريف والعقل الحصيف ، بل إنها الفتيل الذيسيفجر القنبلة القاضية على الإسلام بإسم الإسلام ، خصوصا بعد أن افتتن بهذه السلفيةبعض الشباب الذين لم تتح لهم فرصة البحث الكافي ، حتى اعتقدوا أن الإسلام هو توفيراللحية وعداوة أهل القبلة – سلفا وخلفا ، علماء وحكاما – إلا ابن تيمية وابنعبدالوهاب ، مع التزام التعقد والتأزم الدائم .

ولسوف تعذرنا بعدهذا في أن ندعوك إلى أن تنادي معنا بوجوب سعة الأفق ، والأخذ بسماحة الإسلام ورفقهومرونته ويسره ، والتنادي بالحب في الله ، والتعاون على مكافحة المجمع على كفاحه ،وخدمة المجمع على خدمته ، وترك ما عدا ذلك لكل إنسان بما يناسب نفسيته وذاتيته ،على ألا يؤذي غيره ، ولا يجعل ( النفخة الكذابة ) ودعوى الاختصاص بالصواب طريقالدعوة إلى الله .

إننا ندعو إلى محاولة التقريب بين كافة طوائفالمسلمين ، أو على الأقل ( المعايشة السلمية ) التي قد تفضي إلى التفرغ لما هو أهموأعم وما هو أهدى و أجدى ، والله الموفق المستعان



تمت مقالة الشيخ الشريف محمد زكي إبراهيم، من علماء الأزهر ورائد العشيرة المحمدية بمصر ، المتوفى سنة 1419 هـ

نحن لا نكفر موحد من أهل القبلة ..

نحن لا نكفر موحد من أهل القبلة ..

بسم الله الرحمن الرحيم 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. 

نحن الصوفية الأشاعرة و الماتريدية ، لا نكفر أحد من أهل القبلة الموحدين امتثالا لأمر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وساداتنا الأشاعرة من أهل السنة والجماعة ..


عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : أيما رجل قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ) ، رواه البخاري في الصحيح ، برقم : 6104 ، وقال أحمد شاكر في "مسنده" ، إسناده صحيح ..

ويقول الإمام "أبو الحسن الأشعري" رحمه الله تعالى : ( أشهد على أني لا أكفر أحد من أهل هذه القبلة لأن الكل يشير إلى معبود واحد ) ورد في "سير الأعلام النبلاء" للذهبي ، [ ج15/ص: 88 ] ..

ولا نشتم و لا نلعن من الوهابية أحد ؟؟؟ !!! ..

عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) ، رواه الترمذي في السنن ، وقال : الشيخ شاكر في "مسند أحمد" ، والعراقي في "تخريج الإحياء" ،و الوادعي في "الصحيح المسند" : إسناده صحيح ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" برقم : 1977 ، وفي " السلسلة الصحيحة" ، على شرط الشيخين ..

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، في ديوانه :

إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى **** ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ **** فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً **** فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى**** ودافع ولكن بالتي هي أحسن .ا هـ

لكنا نبين سقوط عدالة وضلالة من يتهم أئمتنا بالكفر ويتهم نهجنا بالزندقة والإبتداع، وذلك بالدليل القاطع دون تحريف أو تدليس ..

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ( يـا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسـانِهِ وَلَم يُؤمِنْ بِقَلبِهِ لا تَغتـابُوا المُسلِمِينَ وِلا تَتَبِّعُوا عَوراتَهُم فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَورةَ أَخِيهِ يَتَتَبَّعُ اللهُ عَورَتَهُ حَتّى يَفْضَحَهُ فِي جَوفِ بَيتِهِ ) ، رواه أبو داود في سننه برقم : 4880 ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ، برقم : 4880 ..

ويقول الإمام علي كرم الله وجهه : ( أربَعةٌ لَيست غِيبَتُهُم غِيبَةً: الفاسِقُ المُعلِنُ بِفِسقِهِ، والإمامُ الكَذّابُ إن أحسَنتَ لم يَشكُرْ وإن أسَأتَ لم يَغفِرْ، والمُتَفَكِّهونَ بالاُمَّهاتِ، والخارِجُ عنِ الجَماعَةِ الطاعِنُ على اُمَّتِي الشاهِرُ علَيها بسَيفِهِ )، ورد في "بحار الأنوار" ، [ص: 261] ..

بسم الله الرحمن الرحيم : ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ) [النساء : 148]..


حجة الإسلام ... 

الأربعاء، نوفمبر 30، 2011

الحسين



‎( هذا الذي تَعرِف البطحاءُ وطأَتَه ... والبَيْتُ يَعْرِفُه والحِلُّ والحرمُ )

( هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهم ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ )

( هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلهُ ... بجدِّه أنبياءُ الله قد خُتِمُوا )

( وليس قولُك مَن هذا بضائرِه ... العُرْبُ تعرِف مَنْ أنكرتَ والعجم )

( إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ )

( يُغْضِي حياءً ويُغْضى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إلا حين يَيْتَسِمُ )

( بكَفّه خيزُرانٌ رِيحُها عَبِقٌ ... من كفّ أروعَ في عِرْنينه شمم )

( يكاد يُمسكه عِرْفانَ راحته ... رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم )

( الله شرَّفه قِدْماً وعَظّمه ... جَرَى بذاك له في لوحِه القلم )

( أيُّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأَوَّلِيَّه هذا أولَهُ نِعَمُ )

( مَنْ يشكرِ الله يشكرْ أَوّليَّة ذا ... فالدِّين من بيت هذا ناله الأمم )

( يَنْمِي إلى ذِروة الدين التي قَصُرت ... عنها الأكفُّ وعن إدراكها القَدَمُ )

( مَنْ جَدُّه دان فَضْلُ الأنبياء له ... وفَضْلُ أمَّته دانت له الأمم )

( مُشتقَّةٌ من رسول الله نَبعتُه ... طابت مغارسُه والخِيمُ والشِّيَمُ )

( ينشقُّ ثَوبُ الدُّجى عن نُور غُرَّته ... كالشمس تنجابُ عن إشراقها الظُلم )

( مِنْ معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهمُ ... كُفْرٌ وقُرْبُهُم مَنْجىً ومُعْتَصِمُ )

( مُقَدَّمٌ بعد ذكر الله ذِكرُهُم ... في كلِّ بدْء ومختومٌ به الكَلِم )

( إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمتَهم ... أو قيل مَنْ خيرُ أهل الأرض قيلَ همُ )

( لا يستطيع جوادٌ كنهَ جودهمُ ... ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا )

( يُسْتَدْفَع الشّرُّ والبلوى بحبِّهمُ ... ويستربُّ به الإِحْسانُ والنِّعَمُ )

الحسين



‎( هذا الذي تَعرِف البطحاءُ وطأَتَه ... والبَيْتُ يَعْرِفُه والحِلُّ والحرمُ )

( هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهم ... هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العَلَمُ )

( هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلهُ ... بجدِّه أنبياءُ الله قد خُتِمُوا )

( وليس قولُك مَن هذا بضائرِه ... العُرْبُ تعرِف مَنْ أنكرتَ والعجم )

( إذا رأته قريشٌ قال قائلها ... إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ )

( يُغْضِي حياءً ويُغْضى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إلا حين يَيْتَسِمُ )

( بكَفّه خيزُرانٌ رِيحُها عَبِقٌ ... من كفّ أروعَ في عِرْنينه شمم )

( يكاد يُمسكه عِرْفانَ راحته ... رُكنُ الحطيم إذا ما جاء يستلم )

( الله شرَّفه قِدْماً وعَظّمه ... جَرَى بذاك له في لوحِه القلم )

( أيُّ الخلائق ليست في رقابهم ... لأَوَّلِيَّه هذا أولَهُ نِعَمُ )

( مَنْ يشكرِ الله يشكرْ أَوّليَّة ذا ... فالدِّين من بيت هذا ناله الأمم )

( يَنْمِي إلى ذِروة الدين التي قَصُرت ... عنها الأكفُّ وعن إدراكها القَدَمُ )

( مَنْ جَدُّه دان فَضْلُ الأنبياء له ... وفَضْلُ أمَّته دانت له الأمم )

( مُشتقَّةٌ من رسول الله نَبعتُه ... طابت مغارسُه والخِيمُ والشِّيَمُ )

( ينشقُّ ثَوبُ الدُّجى عن نُور غُرَّته ... كالشمس تنجابُ عن إشراقها الظُلم )

( مِنْ معشرٍ حبُّهم دينٌ وبغضهمُ ... كُفْرٌ وقُرْبُهُم مَنْجىً ومُعْتَصِمُ )

( مُقَدَّمٌ بعد ذكر الله ذِكرُهُم ... في كلِّ بدْء ومختومٌ به الكَلِم )

( إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمتَهم ... أو قيل مَنْ خيرُ أهل الأرض قيلَ همُ )

( لا يستطيع جوادٌ كنهَ جودهمُ ... ولا يدانيهمُ قومٌ وإن كرموا )

( يُسْتَدْفَع الشّرُّ والبلوى بحبِّهمُ ... ويستربُّ به الإِحْسانُ والنِّعَمُ )

المحبـــــــــــــــــــــة في الله




إن التحابب في الله تعالى و الأخوة في دينه من أعظم القربات ، و لها شروط يلتحق بها المتصاحبون بالمتحابين في الله تعالى ، و بالقيام بحقوقها يتقرب إلى الله زلفى ، و بالمحافظة عليها تنال الدرجات العلى ، قال تعالى : " و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ الله ألّف بينهم " ( الأنفال 63)
قال ابن مسعود رضي الله عنه : هم المتحابون في الله
و في رواية : نزلت في المتحابين في الله (رواه النسائي و الحاكم و قال صحيح)
قال بعضهم :
وأحبب لحبّ الله من كان مؤمنــــا *** و أبغض لبغض الله أهل التّمرّد
وما الدين إلا الحبّ و البغض و الولا *** كذاك البرا من كل غاو و معتدى
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
و من تمام محبة الله ما يحبه و كراهة ما يكرهه ، فمن أحبّ شيئا مما كرهه الله ، أو كره شيئا مما يحبه الله ، لم يكمل توحيده و صدقه في قوله لا إله إلا الله ، و كان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما أحبه الله ، و ما أحبه مما يكرهه الله
و قال ابن القيم رحمه الله :
من أحبّ شيئا سوى الله ، و لم تكن محبته له لله ، و لا لكونه معينا له على طاعة الله ، عذب به في الدنيا قبل اللقاء كما قيل :
أنت القتيل بكل من أحببته *** فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي

** ثمرات و فضائل المحبة في الله **
للمحبة في الله ثمرات طيبة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا و الآخرة منها:
1) محبة الله تعالى : عن معاذ رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "قال الله تبارك و تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، و المتجالسين فيّ و المتزاورين فيّ ، و المتباذلين فيّ " (رواه مالك و غيره )
و قول الملك للرجل الذي زار أخا له في الله :"إني رسول الله إليك بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه"
2) أحبهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه : عن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه قال :" ما من رجلين تحابا في الله إلا كان أحبّهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه " (رواه الطبراني )
3) الكرامة من الله : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من عبد أحبّ عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل " ( أخرجه أحمد بسند جيّد)
وإكرام الله للمرء يشمل إكرامه له بالإيمان ، والعلم النافع ، والعمل الصالح ، و سائر صنوف النِّعم
4) الاستظلال في ظلّ عرش الرحمن : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " :" فقوله : أين المتحابون بجلال الله ؟ تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله و تعظيمه مع التحاب فيه ، و بذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم "
و عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله : إمام عادل ، و شاب نشأ في عبادة الله ، و رجل
قلبه معلّق بالمساجد ، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه …" ( متفق عليه)
5) وجد طعم الإيمان : قال عليه الصلاة و السلام : " من أحبّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ( رواه الحاكم و قال : صحيح الإسناد و لم يخرجاه و أقرّه الذهبي)
6) وجد حلاوة الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله" ( رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي )
و عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، و أن يكره أ يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار " (متفق عليه)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى":" أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنّ هذه الثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، لأنّ وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له ، فمن أحبّ شيئا أو اشتهاه ، إذا حصل له مراده،فإنه يجد الحلاوة و اللذة و السرور بذلك و اللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى … فحلاوة الإيمان ، تتبع كمال محبة العبد لله ، و ذلك بثلاثة أمور : تكميل هذه المحبة ، و تفريعها ، و دفع ضدها
"فتكميلها" أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما ، فإن محبة الله و رسوله لا يكتفى فيها بأصل الحبّ ، بل لا بدّ أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما
و " تفريعها" أن يحب المرء لا يحبه إلا لله
و "دفع ضدها " أن يكره ضدّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار "
7) استكمال الإيمان : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أعطى لله ، و منع لله ، فقد استكمل الإيمان " (رواه أبو داود بسند حسن)
8) دخول الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " (رواه مسلم)
9) قربهم من الله تعالى و مجلسهم منه يوم القيامة :عن أبي مالك الأشعري قال : " كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت عليه هذه الآية :" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (المائدة 101) قال : فنحن نسأله إذ قال : 3 إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء ، يغبطهم النبيون و الشهداء بقربهم و مقعدهم من الله يوم القيامة ، قال : و في ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه و رمى بيديه ، ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم ؟ قال : فرأيت في وجه النبي صلى
الله عليه و سلم البِشر ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : " هم عباد من عباد الله من بلدان شتى ، و قبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، و لا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا و يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس ، و لا يفزعون ، و يخاف الناس و لا يخافون " (رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي )
10) وجوههم نورا يوم القيامة :من الحديث السابق في قوله :" يجعل الله وجوههم نورا"
11) لهم منابر من لؤلؤ: نفس الحديث السابق في قوله :" يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس "
12) لهم منابر من نور : و في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء يغبطهم الشهداء و النبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ، و مجلسهم منه " ، فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله صفهم لنا و جلِّهم لنا ؟قال:" قوم من أقناء الناس من نزّاع القبائل ، تصادقوا في الله و تحابّوا فيه ، يضع الله عزّ و جلّ لهم يوم القيامة منابر من نور ، يخاف الناس و لا يخافون ، هم أولياء الله عزّ و جلّ الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون " ( أخرجه الحاكم و صححه الذهبي )
13) يغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة:من الحديثين السابقين : حديث الأشعري و ابن عمر رضي الله عنهم في قوله صلى الله عليه و سلم:" يغبطهم الشهداء و النبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ،و مجلسهم منه "
14) تسميتهم بأولياء الله :من حديث ابن عمر السابق في قوله صلى الله عليه و سلم :" هم أولياء الله عز و جل "
15) انتفاء الخوف و الحزن عنهم يوم القيامة :من الحديثين السابقين : حديث الأشعري و ابن عمر رضي الله عنهم : " لا خوف عليهم و لا هم يحزنون " و قوله " و لا يفزعون ، و يخاف الناس و لا يخافون "
16) أنّ المرء بمحبته لأهل الخير لصلاحهم و استقامتهم يلتحق بهم و يصل إلى مراتبهم ، و إن لم يكن عمله بالغ مبلغهم : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ،كيف تقول في رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم ؟ قال : "المرء مع من أحبّ" (الصحيحان)
و في الصحيحين أيضا عن أنس رضي الله عنه أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم متى الساعة ؟ قال : " ما أعددت لها ؟ " قال : ما أعددت لها من كثير صلاة و لا صوم و لا صدقة ، و لكني أحبّ الله و رسوله، قال :" أنت مع من أحببت" ، قال أنس : فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه و سلم :"أنت مع من أحببت" فأنا أحب النبي صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر ، و أرجو أن أكون معهم بحبي إياهم ، و إن لم أعمل بمثل أعمالهم
وعن علي رضي الله عنه مرفوعا:"لا يحب رجل قوما إلا حشر معهم"( الطبراني في الصغير)

من يختار للمحبة و الصحبة
قال القرافي :" ما كل أحد يستحق أن يعاشر و لا يصاحب و لا يسارر "

و قال علقمة : اصحب من إن صحبته زانك ، و إن أصابتك خصاصة عانك و إن قلت سدّد مقالك ، و إن رأى منك حسنة عدّها ، و إن بدت منك ثلمة سدّها ، و إن سألته أعطاك ، و إذا نزلت بك مهمة واساك ، و أدناهم من لا تأتيك منه البوائق ، و لا تختلف عليك منه الطرائق

و يقول الشيخ أحمد بن عطاء : مجالسة الأضداد ذوبان الروح ، و مجالسة الأشكال تلقيح العقول ، و ليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة ، و لا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار ، و لا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط

و يكفي في مشروعية التحري لاختيار الأصدقاء قوله صلى الله عليه و سلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " (رواه أبو داود و غيره)

قال الأوزاعي : الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب ، إذا لم تكن مثله شانته

قيل لابن سماك : أيّ الإخوان أحقّ بإبقاء المودة؟قال:الوافر دينه ، الوافي عقله ، الذي لا يملَّك على القرب ،و لا ينساك على البعد ،إن دنوت منه داناك ، و إن بعدت منه راعاك ، و إن استعضدته عضدك ،و إن احتجت إليه رفدك،و تكفي مودة فعله أكثر من مودة قوله

و قال بعض العلماء : لا تصحب إلا أحد رجلين : رجل تتعلّم منه شيئا في أمر دينك فينفعك ، أو رجل تعلمه شيئا في أمر دينه فيقبل منك ، و الثالث فاهرب منه

قال علي رضي الله عنه :
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك *** و من يضُرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزّمان صدعك *** شتّت نفسه ليجمعك

و قال بعض الأدباء:لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرّك،و يستر عيبك، فيكون معك في النوائب،و يُؤثرك بالرّغائب،و ينشر حسنتك،و يطوي سيّئتك ، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك
و قد ذكر العلماء فيمن تُؤثر صحبته و محبته خمس خصال : أن يكون عاقلا ، حسن الخلق ، غير فاسق ، و لا مبتدع ، و لا حريص على الدنيا 1) أما العقل : فهو رأس المال و هو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق
قال علي رضي الله عنه :
فلا تصحب أخا الجهل *** و إياك و إياه
فكم من جاهل أردى *** حليما حين آخاه
يُقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه
و للشيء على الشيء *** مقاييس و أشباه
و للقلب على القلب *** دليل حين يلقاه

و العاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه ، إما بنفسه و إما إذا فُهِّم
2) أما حسن الخلق : فلا بدّ منه إذ ربّ عاقل يدرك الأشياء على ماهي عليه ، و لكن إذا غلبه غضب أو شهوة أو بُخل أو جبن أطاع هواه ، و خالف ما هو المعلوم عنده ، لعجزه عن قهر صفاته ، و تقويم أخلاقه ، فلا خير في صحبته

قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله : الواجب على العاقل أن يعلم أنه ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان ، و لا غم يعدل غم فقدهم ، ثم يتوقى جهده مفاسدة من صافاه ، و لا يسترسل إليه فيما يشينه،و خير الإخوان من إذا عظمته صانك ،و لا يعيب أخاه على الزّلّة،فإنه شريكه في الطبيعة، بل يصفح،و ينتكب محاسدة الإخوان،لأن الحسد للصديق من سقم المودة ،كما أن الجود بالمودة أعظم البذل ، لأنه لا يظهر ودّ صحيح من قلب سقيم
3) أما الفاسق : فلا فائدة في صحبته ، فمن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته و لا يوثق بصداقته ، بل يتغيّر بتغيّر الأعراض
قال تعالى :" و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه " ( الكهف 28)

و قال تعالى :"فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا"(النجم 29) ، و قال النبي صلى الله عليه
و سلم :"لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي "( رواه الترمذي و أبو داود)

قال أبو حاتم رحمه الله في"روضة العقلاء":"العاقل لا يصاحب الأشرار،لأن صحبة صاحب السوء قطعة من النار،تعقب الضغائن، لا يستقيم ودّه ، و لا يفي بعهده ، و إن من سعادة المرء خصالا أربعا:أن تكون زوجته موافقة ، وولده أبرار ، و إخوانه صالحين ،و أن يكون رزقه في بلده .و كل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا ، تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ،و من يصحب صاحب السوء لا يسلم،كما أن من يدخل مداخل السوء يتهّم "

قال بعضهم :
ابل الرجال إذا أردت إخاءهم *** و توسّمنّ أمورهم و تفقّد
فإذا ظفرت بذي الأمانة و التُّقى *** فبه اليدين قرير عين فاشدد
4) أما المبتدع : ففي صحبته خطر سراية البدعة و تعدي شؤمها إليه ، فالمبتدع مستحق للهجر و المقاطعة ، فكيف تؤثر صحبته
5) أما الحريص على الدنيا : فصحبته سمّ قاتل ، لأنّ الطّباع مجبولة على التشبّه و الاقتداء ، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه ، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرّك الحرص ، و مجالسة الزاهد تزهدّ في الدّنيا ، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا ، و يستحب صحبة الراغبين في الآخرة

الناس شتىّ إذا ما أنت ذقتهم *** لا يستوون كما لا يستوي الشّجر
هذا له ثمر حلو مذاقته *** و ذاك ليس له طعم و لا ثمر

علامات الحب في الله
1) أنه لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء : من علامات الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء ، قال يحيى ابن معاذ الرازي :
حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر و لا تنقص بالجفاء
2) الموافقة :و من علامات الحب في الله الموافقة ، قال بعضهم :
يقول للشيء لا إن قلت لا *** و يقول للشيء نعم إن قلت نعم
3) لا يحسد أخاه : و من علاماته أن لا يحسد المحبّ أخاه في دين و لا دنيا
و قد وصف الله تعالى المتحابين في قوله :" و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( الحشر ٩ )
4) أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه : و من علاماته أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " ( رواه الشيخان)
5) أن يكون معيار المحبة الطاعة : ومن علاماته أن يزداد إذا رأى أخاه في طاعة الله،وينقص إذا رأى منه معصية الله عزّ وجل

حقوق الأخوة و مستلزمات الصحبة و المحبة
لكل مسلم على أخيه المسلم حقوقا ، و هذه الحقوق أوجبها عقد الإسلام ، و صارت لكل مسلم بهذا العقد حرمة ، لا يحل لأحد أن ينتهكها ، و قد أتت جملة من هذه الحقوق ، و بيان لهذه الحرمة من كلام النبي صلى الله عليه و سلم ، فمن ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : " حقّ المسلم على المسلم ستّ : إذا لقيته فسلّم عليه ، و إذا دعاك فأجبه ، و إذا استنصحك فانصح له ، و إذا عطس فحمد الله فشمته ، و إذا مرض فعده ، و إذا مات فاتبعه " (متفق عليه)
و في بيان حرمة المسلم ، و ما لا يجوز للمسلم أن يقع فيه مع سائر المسلمين قوله صلى الله عليه و سلم :" إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ، و لا تحسّسوا ، و لا تجسّسوا ، و لا تنافسوا ، و لا تحاسدوا ، و لا تباغضوا ، و كونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره ، التقوى ههنا … و يشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشرّ أ يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه و عرضه و ماله " (رواه الشيخان)
إنّ عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين ، و يترتب على هذا العقد حقوق المال و البدن و اللسان و القلب ، و بمراعاة هذه الحقوق تدوم المودة و تزداد الألفة ، و يدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله ، و ينالان من الأجر و الثواب ما أسلفناه
1) حقوق الأخوة في المال :- فمن حقوق المال الواجبة إنظاره إلى ميسرة إن كان غريما ، قال تعالى :" و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (البقرة 280) ، و قال صلى الله عليه و سلم :" من يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا و الآخرة" ( مسلم و غيره)
- و من حقوق الأخوة المواساة بالمال : و هي كما قال العلماء على ثلاث مراتب : 
1) أدناها أن تقوم بحاجته من فضل مالك،فإذا سنحت له حاجة،وكان عندك فضل، أعطيته ابتداءً ولم تحوجه إلى السؤال،فإن أحوجته إلى السؤال،فهو غاية التقصير في حقّ الأخوة2) الثانية: أن تنزله منزلة نفسك ، و ترضى بمشاركته إياك في مالك
قال الحسن : كان أحدهم يشقّ إزاره بينه و بين أخيه ، و جاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه و قال : إني أريد أن أواخيك في الله ، فقال : أتدري ما حق الإخاء ؟ قال : عرّفني ، قال أن لا تكون أحقّ بدينارك و درهمك مني ، قال : لم أبلغ هذه المنزلة بعد ، قال اذهب عني
و قال علي بن الحسين لرجل : هل يُدخل أحدكم يده في كمّ أخيه أو كيسه ، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه ؟ قال : لا ، قال : فلستم بإخوان 
3) الثالثة : و هي العليا ، أن تؤثره على نفسك ، و تقدّم حاجته على حاجتك ، و هذه رتبة الصديقين ، و منتهى درجات المحبين
قال ابن عمر رضي الله عنهما : أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رأس شاة ، فقال : أخي فلان أحوج مني إليه ، فبعث به إليه ، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول ، بعد أن تداوله سبعة
فكانت هذه المرتبة العليا من الإيثار ، هي مرتبة الصحابة الكرام رضي الله عنهم

عن حميد قال : سمعت أنسا رضي الله عنه قال : لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار ، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد ابن الربيع ، فقال : أقاسمك مالي ، و أنزل لك عن إحدى امرأتي ، قال : بارك الله لك في أهلك و مالك ، فآثره بما آثره به ، و كأنه قبله ثم آثره به

و قد مدحهم الله عزّ و جلّ بقوله : " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( الحشر٩

قال أبو سليمان الداراني : كان لي أخ بالعراق ، فكنت أجيئه في النوائب ، فأقول : أعطني من مالك شيئا ، فكان يلقي إليّ كيسه فآخذ منه ما أريد ، فجئته ذات يوم فقلت : أحتاج إلى شيء فقال : كم تريد ؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي و قال آخر:إذا طلبت من أخيك مالا فقال:ماذا تصنع به فقد ترك حقّ الإخاء .
فهذه مراتب المواساة بالمال ، فإن لم توافق نفسك رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أنّ عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن ، و إنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل و الدين ، قال ميمون بن مهران : "من رضي من الإخوان بترك الأفضال ، فليؤاخ أهل القبور "
2) حقوق الأخوة في البدن :و يقصد بها الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات ، و القيام بها قبل السؤال ، و تقديمها على الحاجات الخاصة ، و هذه أيضا لها درجات كالمواساة بالمال 1) أدناها القيام بالحاجة عند السؤال و القدرة مع البشاشة و الاستبشار و إظهار الفرح و قبول المنة :
قال النبي صلى الله عليه و سلم:"من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن يسّر على معسّر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ،و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة ،و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "

أرسل الحسن البصري جماعة من أصحابه في قضاء حاجة لأخ لهم ، و قال : مروا بثابت البناني فخذوه معكم ، فمروا بثابت فقال : أنا معتكف ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال لهم : قولوا له يا أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجّة بعد حجة ، فرجعوا إلى ثابت فأخبروه ، فترك اعتكافه و خرج معهم
2) الدرجة الثانية : أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك :
كان بعض السلف يتفقّد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة ، يقوم بحاجتهم ، و يتردّد كل يوم إليهم و يمونهم من ماله ، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه
3) أن تقدّم حاجة أخيك على حاجتك ، و تبادر إلى قضائها و لو تأخرت حاجتك
قضى ابن شبرمة لبعض إخوانه حاجة كبيرة ، فجاء بهدية ، قال : ماهذا؟ قال : لما أسديته إليّ ، قال : خذ مالك عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها ، فتوضأ للصلاة و كبّر عليه أربع تكبيرات ، و عدّه من الموتى

و كان الحسن يقول:إخواننا أحبّ إلينا من أهلنا و أولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا ، و إخواننا يذكرون بالآخرة ويدخل في حق المسلم علىأخيه المسلم زيارته له في الله عزّو جلّ ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟النبي في الجنة ، و الشهيد في الجنة ، و الصديق في الجنة ، و الرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة "

و من الصور المشرقة للزيارة في الله عزّ و جلّ ، و ما ينبغي أن تشتمل عليه من الأخلاق و الآداب ، ما كان بين أبي عبيد القاسم ابن سلام و أحمد بن حنبل رحمهما الله ، قال أبو عبيد : "زرت أحمد بن حنبل في بيته فأجلسني في صدر داره ، و جلس دوني ، فقلت : يا أبا عبد الله ، أليس يقال : صاحب البيت أحقّ بصدر بيته؟ فقال : نعم ، يقعد و يُقعِد من يريد ، قال : فقلت في نفسي : خذ إليك يا أبا عبيد فائدة ، قال : ثم قلت له : يا أبا عبد الله ، لو كنت آتيك على نحو ما تستحقّ لأتيتك كلّ يوم ، فقال : لا تقل ، إن لي إخوانا لا ألقاهم إلا في كلّ سنة مرة ، أنا أوثق بمودّتهم ممن ألقى كل يوم ، قال : قلت : هذه أخرى يا أبا عبيد ، فلما أردت أن أقوم قام معي فقلت : لا تفعل يا أبا عبد الله ، فقال: قال الشعبي : من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار ، و تأخذ بركابه قال : فقلت يا أبا عبيد هذه ثالثة ، قال : فمشى معي إلى باب الدار و أخذ بركابي

و من هذه الصور المشرقة لزيارة السلف بعضهم لبعض و فرحهم بهذه اللقاءات الداعية لمزيد من الإيمان و الحبّ في الله عزّ و جلّ ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن النقاش أنه قال : " بلغني أنّ بعض أصحاب محمد بن غالب أبي جعفر المقرئ جاءه في يوم وحلٍ وطين ، فقال له : متى أشكر هاتين الرجلين اللتين نعبتا إليّ، في مثل هذا اليوم لتكسباني في الثواب؟ثم قام بنفسه فاستسقى له الماء،و غسل رجليه "
3) حقوق الأخوة في اللسان : و هي بالسكوت تارة و بالنطق أخرى 1) السكوت على المكاره : 1- لا يذكر عيوبه : فمن حق الأخ على أخيه،أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته و حضرته،بل يتجاهل عنه أما ذكر عيوبه و مساويه في غيبته فهو من الغيبة المحرمة ، و ذلك حرام في حق كل مسلم ، و يزجرك عنه أمران بالإضافة إلى زجر الشرع : أحدهما : أن تطالع أحوال نفسك ، فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما ، فهوِّن على نفسك ما تراه من أخيك ، و قدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة ، كما أنت عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة ، كما أنت عاجز عما أنت مبتلى به ، و الأمر الثاني : أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق كافة ، و لم تجد من تصاحبه أصلا
كما قال النابغة الذبياني :
:
و لست بمستبق أخا لا تلُمُّه *** على شعث أيّ الرجال المهذّب

فما من أحد من الناس إلا و له محاسن و مساوئ ، فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو الغاية ، و المؤمن أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير و الودّ و الاحترام ، و أما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوئ و العيوب
قال ابن المبارك : المؤمن يطلب المعاذير ، و المنافق يطلب العثرات
و قال الفضيل : الفتوة العفو عن زلات الإخوان
2- أن لا يفشي أسراره : و من ذلك أن يسكت عن إفشاء أسراره و لا إلى أخصّ أصدقائه ، و لو بعد القطيعة و الوحشة ، فإن ذلك من لؤم الطبع و خبث النفس

قيل لبعض الأدباء : كيف حفظك للسر؟ قال : أنا قبره .
و أفشى بعضهم سرا إلى أخيه ثم قال له حفظت ، قال : بل نسيت .
و قالوا : قلوب الأحرار قبور الأسرار

كان أبو سعيد الثوري يقول : إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك فإن قال خيرا و كتم سرا فاصحبه
3- أن لا يجادله و لا يماريه : و من ذلك أن يسكت عن مماراته و جداله :
قال بعض السلف : من لاحى الإخوان و ماراهم ، قلّت مروءته ، و ذهبي كرامته
و قال عبد الله بن الحسن:إياك و مماراة الرجال، إنك لن تعدم مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم
و بالجملة فلا باعث على المماراة إلا إظهار التميّز بمزيد العقل و الفضل ، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله و بالغ بعضهم في ترك المراء و الجدال فقال : إذا قلت لأخيك قم ، فقال : إلى أين؟ فلا تصحبه ، بل ينبغي أن يقوم و لا يسأل
والمراء يفتن القلب وينبت الضغينة و يجفي القلب و يقسيه ويرقق الورع في المنطق و الفعل

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "من ترك المراء و هو مبطل بنى له بيت في ربض الجنة ، و من تركه و هو محقّ بنى له في وسطها ، و من حسن خلقه بنى له في أعلاها" (رواه أبو داود و غيره)

قال خالد بن يزيد بن معاوية الأموي :"إذا كان الرجل مماريا لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته "

قال الحسن البصري :"إياكم و المراء ، فإنه ساعة جهل العالم ، و بها يبتغي الشيطان زلّته"
2) النطق بالمحاب : و كما تقتضي الأخوة السكوت عن المكاره ، تقتضي أيضا النطق بالمحاب ، بل هو أخص بالأخوة ، لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور 1- التودد باللسان : فمن ذلك أن يتودد إليه بلسانه ، و يتفقده في الأحوال التي يحب أن يتفقد فيها ، و كذا جملة أحواله التي يسر بها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها ، فمعنى الأخوة المساهمة في السراء و الضراء
2- إخباره بمحبته : و من ذلك أن يخبره بمحبته له : عن أنس بن مالك قال : مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس ، فقال رجل ممن عنده : إني لأحب هذا لله ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أعلمته؟" قال : لا ، قال : " قم إليه فأعلمه " فقام إليه فأعلمه ، فقال : أحبّك الذي أحببتني له ثم قال ، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم :"أنت مع من أحببت ، و لك ما احتسبت " (رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي)

و عن المقدام بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " (رواه أحمد و غيره)

و إنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإخبار ، لأن ذلك يوجب زيادة حب ، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة ، فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة ، فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة ، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين و يتضاعف ، و التحابب بين المسلمين مطلوب في الشرع محبوب في الدين ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا
فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم " ( رواه مسلم ، و قال النووي : قوله :" لا تؤمنوا حتى تحابوا " معناه لا يكمل إيمانكم ، و لا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحاب "
3- دعوته بأحبّ الأسماء إليه : و من ذلك أن يدعوه بأحبّ أسمائه إليه في غيبته و حضوره ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ثلاث يصفين لك ودّ أخيك : أن تسلّم عليه إذا لقيته أولا ، و توسّع له في المجلس ، و تدعوه بأحب الأسماء إليه
4- الثناء عليه : و من ذلك : أن تثني عليه بما تعرف من محاسن أحواله و آكد من ذلك أن تبلغه ثناء من أثنى عليه ، مع إظهار الفرح ، فإن إخفاء ذلك محض الحسد ، و ذلك من غير كذب و لا إفراط ، فإن ذلك من أعظم الأسباب في جلب المحبة
5- الذّبّ عنه في غيبته : و أعظم من ذلك تأثيرا في جلب المحبة ، الذبّ عنه في غيبته مهما قصد بسوء أو تعرّض لعرضه بكلام صريح ، أو تعريض ، فحق الأخوة التشمير في الحماية و النصرة و تبكيت المتعنت و تغليظ القول عليه ، و السكوت عن ذلك موغر للصدر و منفر للقلب ، و تقصير في حق الأخوة
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يحرمه و لا يخذله " (رواه مسلم)
6- التعليم و النصيحة : و من ذلك التعليم و النصيحة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله ، قال : " لله و لكتابه ، و لرسوله ، و لأئمة المسلمين و عامتهم " (رواه مسلم) ، و بخاصة إذا استنصح الأخ أخاه وجب عليه أن يخلص له النصيحة ، كما سلف في الحقوق العامة للمسلمين ، و ينبغي أن تكون النصيحة في سرّ لا يطلع عليه أحد فما كان على الملإ فهو توبيخ و فضيحة ، و ما كان في السر ، فهو شفقة و نصيحة
قال الشافعي رحمه الله : من وعظ أخاه سرا فقد نصحه و زانه ، و من وعظه علانية فقد فضحه و شانه و قال رحمه الله :
:
تعمّدني بنصحك في انفرادي *** و جنّبني النصيحة في الجماعة
فإنّ النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
و إن خالفتني و عصيت قولي *** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

و تتأكد النصيحة كذلك إذا تغيّر أخوك عما كان عليه من العمل الصالح

قال أبو الدرداء : إذا تغيّر أخوك ، و حال عما كان عليه ، فلا تدعه لأجل ذلك ، فإن أخاك يعوج مرة و يستقيم مرة ، و حكى عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة ، فقيل لأخيه : ألا تقطعه و تهجره؟ فقال: أحوج ما كان إليّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده ،و أتلطف له في المعاتبة، و أدعو له بالعود إلى ما كان عليه
و الأخوة عقد ينزل منزلة القرابة ، فإذا انعقد تأكد الحق ووجب الوفاء بموجب العقد ، و من الوفاء به أن لا يهمل أخاه أيام حاجته و فقره ، و فقر الدين أشدّ من فقر المال ، و الأخوة عند النائبات و حوادث الزمان ، و هذا من أشدّ النوائب
و القريب ينبغي أن لا يهجر من أجل معصيته ، حتى يقام له بواجب النصيحة ، و ذلك لأجل قرابته ، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم في عشيرته : " فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون " ( الشعراء 216)
و لم يقل : إني برئ منكم ، مراعاة لحق القرابة و لحمة النسب ، و لهذا أشار أبو الدرداء لما قيل له : ألا تبغض أخاك و قد فعل كذا؟ فقال : إنما أبغض عمله و إلا فهو أخي
و كذا التفريق بين الأحباب من محاب الشيطان ، كما أن مقارفة العصيان من محابه ، فإذا حصل للشيطان أحد غرضيه ، فلا ينبغي أن يضاف إليه الثاني
7- الدعاء له في حياته و بعد مماته : و من ذلك الدعاء لأخيه في حياته و بعد مماته :
عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك : و لك بمثل (رواه مسلم)

قال النووي رحمه الله : في هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ، و لو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ، و لو دعا لجملة من المسلمين فالظاهر حصولها أيضا ، و كان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة ، لأنها تستجاب و يحصل له مثلها ، جاء في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي في ترجمة الطيب إسماعيل أبي حمدون –أحد القراء المشهورين – قال : كان لأبي حمدون صحيفة فيها مكتوب ثلاثمائة من أصدقائه و كان يدعو لهم كل ليلة ، فتركهم ليلة فنام ، فقيل له في نومه يا أبا حمدون : لِمَ لَمْ تسرج مصابيحك الليلة ، قال : فقعد فأسرج ، و أخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ
4) حقوق الأخوة في القلب : من حق المسلم على أخيه في الله عز و جل الوفاء و الإخلاص في محبته و صحبته ، و علامة ذلك أن تدوم المحبة ، و أن يجزع من الفراق ، و من حقه أن تحسن به الظن ، و أن تحمل كلامه و تصرفاته على أطيب ما يكون ، و من ذلك أن لا يكلف أخاه التواضع له ، و التفقد لأحواله ، و القيام بحقوقه
1) الوفاء و الإخلاص :و معنى الوفاء الثبات على الحب و إدامته إلى الموت معه ، و بعد الموت مع أولاده و أصدقائه ، فإنّ الحبّ في الله إنما يراد به ما عند الله عزّ و جلّ ، فلا ينتهي بموت أخيه
قال بعضهم : قليل الوفاء بعد الوفاة ، خير من كثيره في حال الحياة ..
و قد جاء أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أكرم عجوزا أدخلت عليه فقيل له في ذلك ، فقال :"إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، و إنّ حسن العهد من الإيمان"(صححه الحاكم و الذهبي و حسنه الألباني في الضعيفة)
- و من الوفاء للأخ مراعاة جميع أصدقائه و أقاربه و المتعلقين به
-و من الوفاء:أن لا يتغيّر حاله مع أخيه ، و إن ارتفع شأنه واتّسعت ولايته و عظم جاهه
قال بعضهم :
إنّ الكرام إذا ما أيسروا ذكروا *** من كان يألفهم في المنزل الخشن

و أوصى بعض السلف ابنه فقال له : يا بنيّ لا تصحب من الناس ، إلا من إذا افتقرت إليه قرب منك ، و إذا استغنيت عنه لم يطمع فيك ، و إن علت مرتبته لم يرتفع عليك و مهما انقطع الوفاء بدوام المحبة ، شمت به الشيطان ، فإنه لا يحسد متعاونين على بر ،كما يحسد متواخيين في الله و متحابين فيه ، فإنه يجهد نفسه لإفساد ما بينهما ، قال تعالى :" و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم " ( الإسراء 53)

قال بعضهم : ما تواخى اثنان في الله فتفرّق بينهما ، إلا بذنب يرتكبه أحدهما
و كان بشر يقول : إذا قصر العبد في طاعة الله ، سلبه الله من يؤنسه ، و ذلك لأنّ الإخوان مسلاة الهموم و عون على الدين
و لذلك قال ابن المبارك : ألذّ الأشياء مجالسة الإخوان ، و الانقلاب إلى كفاية
و من آثار الصدق و الإخلاص و تمام الوفاء ، أن تكون شديد الجزع من المفارقة ، نفور الطبع عن أسبابها ، كما قيل :
وجدت مصيبات الزمان جميعها *** سوى فرقةِ الأحبابِ هيّنةَ الخَطْب

و أنشد ابن عُيينة هذا البيت و قال : لقد عهدت أقواما فارقتهم منذ ثلاثين سنة ، ما يخيّل إليّ أن حسرتهم ذهبت من قلبي
- و من الوفاء أن لا يسمع بلاغات عن صديقه
- و من الوفاء أن لا يصادق عدو صديقه : قال الشافعي رحمه الله : إذا أطاع صديقك عدوك ، فقد اشتركا في عداوتك
2) حسن الظنّ :و من حقوق الأخوة حسن الظنّ بأخيه :
قال الله تعالى"يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظنّ فإنّ بعد الظنّ إثم"(الحجرات 12)
و قال النبي صلى الله عليه و سلم : "إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث " ( رواه الشيخان) ، و إذا كان هذا مطلوب في المسلمين عامة ، فيتأكّد ذلك بين المتآخين في الله عزّ و جلّ و من مناقب الإمام الشافعي ما قاله أحد تلامذته عنه الربيع بن سليمان قال : " دخلت على الشافعي و هو مريض فقلت له :قوى الله ضعفك ، فقال : لو قوى ضعفي قتلني ، فقلت : والله ما أردت إلا الخير ، قال : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير "
فينبغي أن يحمل كلام الإخوان على أحسن معانيه ، و أن لا يظن بالإخوان إلا خيرا ، فإن سوء الظن غيبة القلب
3) التواضع : و من حقوق الأخوة القلبية أن يتواضع لإخوانه ، و يسيء الظن بنفسه فإذا رآهم خيرا من نفسه يكون هو خيرا منهم
قال أبو معاوية الأسود : إخواني كلهم خير مني ، قيل و كيف ذلك؟ قال : كلهم يرى لي الفضل عليه ، و من فضلني على نفسه فهو خير مني
و مهما رأى الفضل لنفسه فقد احتقر أخاه ، و هذا في عموم المسلمين مذموم ، قال صلى الله عليه و سلم : " بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم " (رواه الشيخان)

لطائف و نوادر في المحبة و الإخاء
*** ليس من الوفاء *** ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين ، بل من الوفاء له المخالفة ، كان الشافعي رحمه الله آخى محمد بن الحكم ، و كان يقرّبه و يقبل عليه و يقول : ما يقيمني بمصر غيره ، فاعتلّ محمد فعاده الشافعي فقال :
مرض الحبيب فعدته *** فمرضت من حذري عليه
و أتى الحبيب يعودني *** فبرئت من نظري إليه

وظنّ الناس لصدق مودّتهما أنه يفوّض أمر حلقته إليه بعد وفاته،فقيل للشافعي في علته التي مات منها إلى من نجلس بعدك يا أبا عبد الله،فاستشرف له محمد بن الحكم وهو عند رأسه ليومئ إليه،فقال الشافعي:سبحان الله أيشكّ في هذا؟أبويعقوب البويطي،فانكسر لها محمد ، ومال أصحابه إلى البويطي مع أنّ محمدا كان قد حمل عنه مذهبه كله،لكن كان البويطي أفضل وأقرب إلى الزهد والورع ، فنصح الشافعي لله وللمسلمين ، وترك المداهنة، ولم يؤثر رضا الخلق على رضا الله تعالى ، و المقصود أنّ الوفاء بالمحبة من تمامها النصح لله
فالنصح لله مقدّم على الوفاء بمحبة الإخوان
*** رحَل الإخوان *** قال ابن الجوزي رحمه الله :
هيهات رحل الإخوان و أقام الخُوّان ، و قل من ترى في الزمان من إذا دعي مان ، كان الرجل إذا أراد شين أخيه طلب حاجته إلى غيره،ثم قال : نسخ في هذا الزمان رسم الأخوة و حكمه ، فلم يبق إلا الحديث عن القدماء ، فإذا سمعت بإخوان صدق فلا تصدق

و قال بعضهم :
سمعنا بالصديق و لا نراه *** على التحقيق يوجد في الأنام
و أحسبه مُحالا جوّزوه *** على وجه المجاز من الكلام
*** صحبة الأحمق *** قال أبو حاتم رحمه الله:من علامات الحمق التي يجب للعاقل تفقدّها ممن خفى عليه أمره:
سرعة الجواب ، و ترك التثبت ، و الإفراط في الضحك ، و كثرة الالتفات ، و الوقيعة فيالأخيار و الاختلاط بالأشرار ، و الأحمق إذا أعرضت عنه اغتمّ ، و إن أقبلت عليه اغترّ ، و إن حلمت عنه جهل عليك ، و إن جهلت عليه حلم عنك ، و إن أسأت إليه أحسن إليك ، و إن أحسنت إليه أساء إليك ، و إذا ظلمته انتصفت منه ، و يظلمك إذا أنصفته ، و ما أشبه عشرة الحمقى بما أنشدني محمد بن إسحاق الواسطي :
لي صديق يرى حقوقي عليه *** نافلات و حقّه كان فرضا
لو قطعت الجبال طولا إليه *** ثم من بعد طولها سرت عَرضا
لرأى ما صنعت غير كبير *** واشتهى أن أزيد في الأرض أرضا

*** ما ضاق مكان بمتحابين *** عن الأثرم قال : دخل اليزيدي يوما على الخليل بن أحمد ، و هو جالس على وسادة ، فأوسع له فجلس معه اليزيدي على وسادته ، فقال له اليزيدي : أحسبني قد ضيّقت عليك ، فقال الخليل : ما ضاق مكان على اثنين متحابين ، و الدنيا لا تسع اثنين متباغضين
*** صداقة غير صادقة *** حكى ابن حبان البستي عن محمد بن الحسين قال :
"كان أعرابي بالكوفة ،وكان له صديق يظهر له مودة ونصيحة،فاتخذه الأعرابي من عدده للشدائد ،إذ حزب الأعرابي أمر ، فأتاه فوجده بعيدا مما كان يظهر للأعرابي فأنشأ يقول :
إذا كان وُدُّ المرء ليس بزائد *** على مرحبا أو كيف أنت و حالكا
و لم يك إلا كاشرا أو محدّثا *** فأف لودّ ليس إلا كذلكا
لسانك معسول و نفسك بشّة *** و عند الثَريّ من صديقك مالُكا
و أنت إذا همّت يمينُك مرة *** لتفعل خيرا قاتلتها شمالكا
*** صاحب أهل الدين *** قال ابن الجوزي رحمه الله :
صاحب أهل الدين و صافهم ،
واستفد من أخلاقهم و أوصافهم ،
واسكن معهم بالتأدب في دارهم ،
و إن عاتبوك فاصبر و دارهم ،
أنت في وقت الغنائم نائم ،
و قلبك في شهوات البهائم هائم ،
إن صدقت في طِلابهم فانهض و بادر ،
و لا تستصعب طريقهم فالمعين قادر ،
تعرض لمن أعطاهم وسل فمولاك مولاهم
ربّ كنز وقع به فقير ، و ربّ فضل فاز به صغير
علم الخضر ما خفى على موسى ، و كشف لسليمان ما خفى عن داود
*** من أولى بالغم *** قال الأصمعي :
سأل رجل أبا عمرو بن العلاء حاجة فوعده بها ، ثم إنّ الحاجة تعذّرت على أبي عمرو ، فلقيه الرجل بعد ذلك ، فقال له : يا أبا عمرو وعدتني وعدا فلم تنجزه ؟ فقال له أبو عمرو : فمن أولى بالغم أنا أو أنت ، فقال له : أنا ، فقال له أبو عمرو : بل أنا ، فقال له الرجل : و كيف ذلك أصلحك الله ؟ قال : لأني وعدتك وعدا فأبتَ بفرح الوعد ، و أبتُ أنا بهم الإنجاز ، و بتَّ ليلتك فرحا ، و بتُّ مفكرا مغموما ثم مغموما ، ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة ، فلقيتني مدلا ، و لقيتك محتشما ، فمن هنا صرت أولى بالغم
*** من هم الأحبة ؟ *** قال الشافعي رحمه الله :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا *** فدعه و لا تُكثر عليه التأسفا
ففي النفس أبدال و في الترك راحة *** و في القلب صبر للحبيب و لو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه *** و لا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة *** فلا خير في ودّ يجيء تكلفا
ولا خير في خلّ يخون خليله *** و يلقاه من بعد المودّة بالجفا
و ينكر عيشا قد تقادم عهده *** و يظهر سرا كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديق صادق الوعد مُنصفا

صور مشرقة للمحبة الصادقة
1) النبي صلى الله عليه و سلم والصدّيق أبو بكر رضي الله عنه :محبة صادقة في الله عز و جل ، و لله عز و جل ، و من المواقف التي تدل على صدق المودة و المحبة ، واختصاص المحب لما يدور في قلب أخيه الذي أحبه في الله عز و جل :

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس و قال : إنّ الله خيّر عبدا بين الدنيا و بين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند الله ، قال : فبكى أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد خُيِّر ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم هو المخيّر ، و كان أبو بكر أعلمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ أمَنَّ الناس عليّ في صحبته و ماله أبو بكر ، و لو كنت متّخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ، و لكن أخوة الإسلام و مودّته ، لا يبقيّن في المسجد باب إلا سُدّ ، إلا باب أبي بكر " (رواه الشيخان)

قال ابن رجب في "لطائف المعارف " :
لما عرّض الرسول صلى الله عليه و سلم على المنبر باختياره للقاء على البقاء و لم يصرّح ، خفى المعنى على كثير ممن سمع ، و لم يفهم المقصود غير صاحبه الخصيص به ، ثاني اثنين إذ هما في الغار ، و كان أعلم الأمة بمقاصد الرسول صلى الله عليه و سلم ، فلما فهم المقصود من هذه الإشارة بكى و قال : بل نفديك بأموالنا و أنفسنا و أولادنا ، فسكّن الرسول صلى الله عليه و سلم من جزعه ، و أخذ في مدحه و الثناء عليه على المنبر ، ليعلم الناس كلهم فضله ، و لا يقع عليه اختلاف في خلافته ، فقال : " إنّ من أمَنّ الناس عليّ في صحبته و ماله أبو بكر
2) المهاجرون و الأنصار :ما حدث بين المهاجرين و الأنصار أخوة صادقة ، و مدح الله عزّ و جلّ الأنصار بقوله :"
والذين تبوّؤا الدّار و الإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر إليهم و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شُحّ نفسه فأولئك هم المفلحون " (الحشر ٩

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالت الأنصار اقسم بيننا و بين إخواننا النخيل ، قال : لا ، فقالوا : أتكفونا المؤنة و نشرككم في الثمرة قالوا سمعنا و أطعنا " ( البخاري)

قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " يُحبون من هاجر إليهم " : أي من أكرمهم و شرف أنفسهم ، يحبون المهاجرين و يواسونهم بأموالهم ، و قوله :" و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" قال ابن كثير رحمه الله : أي و لا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين فيما فضلهم الله به ، من المنزلة و الشرف و التقديم في الذكر و الرتبة ، و قوله : " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة "

قال القرطبي : الإيثار هو تقديم الغير على النفس و حظوظها الدنيوية ، و رغبة في الحظوظ الدينية ، و ذلك ينشأ عن قوة اليقين و توكيد المحبة و الصبر على المشقة ، أي يؤثرون على أنفسهم بأموالهم و منازلهم لا عن غنى بل مع احتياجهم إليها
و قال رحمه الله : و الإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال

و من الأمثال السائرة : و الجود بالنفس أقصى غاية الجود ، قال الدكتور بابللي في " معاني الأخوة في الإسلام و مقاصدها" هذا الحب لا لصنيعة سبقت من المهاجرين إليهم ، أو ليد كانت لهم عليهم ، و إنما الإيمان بالله الذي وحد بين قلوبهم ، و هو الحب في الله الذي جمع بينهم ، ففتحوا قلوبهم لإخوانهم في الدين ، قبل أن يفتحوا لهم منازلهم
3) و من هذه الصور المشرقة للمحبة الصادقة : ما رواه القرطبي في "تفسيره" عن حذيفة العدوي قال : انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي – و معي شيء من الماء – و أنا أقول إن كان به رمق سقيته ، فإذا أنا به ، فقلت له : أسقيك ، فأشار برأسه أن نعم ، فإذا أنا برجل يقول : آه ، آه ، فأشار إليّ ابن عمي أن أنطلق إليه ، فإذا هو هشام بن العاص ، فقلت : أسقيك ؟ فأشار أن نعم ، فسمع أخر يقول آه ، آه ، فأشار هشام أن انطلق إليه ، فجئته فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات

آفـات الصحبة
بعد ذكر فضل المحبة في الله عز و جل و الأخوة فيه ، من تمام النصيحة التحذير من آفات الصحبة ، و من آفات الصحبة :
1) كثرة الزيارات : فمن آفات الصحبة كثرة الزيارات و المجالس التي هي مجالس مؤانسة و قضاء وطر ، أكثر منها مجالس ذكر و تذكير و تعاون على البر و التقوى ، فيكون في هذه المجالس ضياع الأوقات و ذهاب المروءات و قد يجرّ فضول الكلام إلى ما يغضب الملك العلام ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ، إلا قاموا على مثل جيفة حمار ، و كان عليهم حسرة يوم القيامة " ( قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي و الألباني في الصحيحة )
قال ابن القيم رحمه الله في " الفوائد" : الاجتماع بالإخوان قسمان :1) أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع و شغل الوقت ، فهذا مضرته أرجح من منفعته ، و أقل ما فيه أنه يفسد القلب و يضيّع الوقت 2) الثاني : الاجتماع بهم على أسباب النجاة و التواصي بالحق و التواصي بالصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة و أنفعها ، و لكن فيه ثلاث آفات :1- إحداها : تزيّن بعضهم لبعض 2- الثانية : الكلام و الخلطة أكثر من الحاجة 3- أن يصير ذلك شهوة و عادة ينقطع بها عن المقصود
و بالجملة فالاجتماع و الخلطة لقاح إما للنفس الأمارة ، و إما للقلب و النفس المطمئنة ، و النتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته و هكذا الأرواح الطيبة لقاحها
من الملك ، و الخبيثة لقاحها من الشيطان ، و قد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين ، و الطيبين للطيبات ، و عكس ذلك
2) الإفراط في الحب و البغض : و من آفاتها الإفراط في الحب و البغض :
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أسلم لا يكن حبك كلفا ، و لا بغضك تلفا ، قلت : و كيف ذلك ؟ قال : إذا أحببت فلا تكلف كما يكلف الصبي بالشيء يحبه،و إذا أبغضت فلا تبغض بغضا تحب أن يتلف صاحبك و يهلك
و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما "

و قال أبو الأسود الدؤلي :
و أحبب إذا أحببت حبا مقاربا *** فإنك لا تدري متى أنت نازع
و أبغض إذا أبغضت غير مباين *** فإنك لا تدري متى أنت راجع

و المقصود الاقتصاد في الحب و البغض ، فإنّ الإسراف في الحب داع إلى التقصير ، و كذلك البغض ، فعسى أن يصير الحبيب بغيضا ، و البغيض حبيبا ، فلا تكن مسرفا في الحب فتندم ، و لا في البغض فتأسف ، لأن القلب يتقلب فيندم أو يستحي

قال بعض الحكماء : و لا تكن في الإخاء مكثرا ، ثم تكون فيه مدبرا ، فيعرف سرفك في الإكثار ، بجفائك في الإدبار
و يخشى مع ذلك مع فرط المحبة أن يوافقه على باطل ، أو يقصر معه في واجب النصيحة لله عزّ و جل ، و قد تنقلب هذه المحبة إلى بغض مفرط ، و يخشى عند ذلك إفشاء الأسرار ، و ترك العدل و الإنصاف
و عن الحسن قال : أحبوا هونا و أبغضوا هونا ، فقد أفرط أقوام في حب أقوام فهلكوا ، و أفرط أقوام في بغض أقوام فهلكوا
3) مخالطة المحبة شيء من هوى النفس : و من آفاتها أن يخالط هذه المحبة التي هي لله عز و جل و في الله عز و جل شيء من هوى النفس ، فبدلا من أن يحب في أخيه طاعته لله عز و جل والتزامه بالشرع ، يحبه لملاحة صورة أو لمنفعة كإصلاح دنيا ، و بدلا من أن يرجو بهذه المحبة ما عند الله عز و جل ، و يتقرّب بها إليه ، يرجو بها استئناسا بشخصه ، أو تحقيقا لغرضه ، و هذه المحبة سرعان ما تزول بزوال سببها ، او بشيء من الجفاء ، فإنه ما كان لله بقى ، كما يقال :
ما كان لله دام واتّصل *** و ما كان لغير الله انقطع وانفصل

قال الله عز و جل : " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلا المتقين" ( الزّخرف 17)

و قال حاكيا عن خليله أنه قال لقومه :" إنما اتّخذتم من دون الله أوثانا مودّة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض و يلعن بعضكم بعضا و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين " ( العنكبوت 25)

فنسأل الله أن يجعل محبتنا لمن نحبه خالصة لوجهه الكريم ، و مقربة إليه و إلى داره دار السلام و النعيم المقيم ، و أن تكون عونا لنا على طاعته ، و دفعا لنا عن معصيته
4) الاستكثار من الإخوان :و من آفاتها الاستكثار من الإخوان ، حتى يعجز عن القيام بحقوقهم و مواساتهم عند حاجتهم واضطرارهم
قال في تنبيه المغترين : من أخلاق السلف رضي الله عنهم : أنهم لا يتخذون من الإخوان إلا من علموا من نفوسهم الوفاء بحقه ،فإنّ أخاك إذا لم توف بحقه كان فارغ القلب منك

و قال ابن حزم رحمه الله في "مداواة النفوس" : ليس شيء من الفضائل أشبه بالرذائل من الاستكثار من الإخوان و الأصدقاء ، فإنّ ذلك فضيلة تامة مركبة ، لأنهم لا يكتسبون إلا بالحلم و الجود و الصبر و الوفاء و الاستضلاع و المشاركة و العفة و حسن الدفاع و تعلم العلم و كل حال محمودة ، و لكن إذا حصلت عيوب الاستكثار منهم ، و صعوبة الحال في إرضائهم ، و الغرر في مشاركتهم ، و ما يلزمك من الحق لهم عند نكبة تعرض لهم ، فإن غدرت بهم أو أسلمتهم لُؤّمت و ذممت ، و إن وفيت أضررت بنفسك ، و ربما هلكت فيكون السرور بهم ، لا بفي بالحزن الممضّ من أجلهم " اه باختصار

و قال عمرو بن العاص : كثرة الأصدقاء كثرة الغرماء
و قال ابن الرومي :
عدوّك من صديقك مستفاد *** فلا تستكثرنّ من الصحاب
فإن الداء أكثر ما تراه *** يكون من الطعام أو الشراب
5) كشف الستر :و من آفاتها : كشف الستر عن الدين و المروءة و الأخلاق و الفقر و سائر العورات ، فإنّ
الإنسان لا يخلو في دينه و دنياه من عورات ، و الأولى سترها ، كما مدح الله عزّ و جلّ المستترين فقال : " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف " ( البقرة 273)

و قال الشاعر :
و لا عار إن زالت عن الحرّ نعمة *** و لكن عارا أن يزول التّجمّل

و عن الحسن قال : أردت الحجّ فسمع ثابت البناني بذلك ، و كان أيضا من أولياء الله فقال : بلغني أنك تريد الحجّ ، فأحببت أن أصحبك ، فقال له الحسن : ويحك ، دعنا نتعاشر بستر الله علينا ، إني أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه

قال احمد فريد : و يتأكد ذلك في حق من تصدى لوعظ الناس ، فلا يكثر من صحبتهم و مخالطتهم في فضول المباحات ، حتى ينتفعوا بوعظه ، و يتمتع بستر الله عليه ، مما يكره عليه الناس من ذنوبه و عيوبه ، نسأل الله العفو و العافية في الدنيا و الآخرة
6) هذه الآفة خاصة بصحبة الأغنياء :و من آفات صحبة الأغنياء إزدراء نعمة الله عليه و تحريك الطمع و الحرص في قلبه و قد لا يتيسّر له فلا ينال إلا الغم بذلك
إنّ من نظر إلى زهرة الحياة الدنيا و زينتها تحرّك حرصه ، و انبعث بقوة الحرص طمعه ، و لا يرى إلا الخيبة في أكثر الأحوال ، فيتأذى بذلك ، و مهما اعتزل لم يشاهد ، و إذا لم يشاهد لم يشته و لم يكمع و لذلك قال الله تعالى : " و لا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم " (طه 131)

و قال صلى الله عليه و سلم :" انظروا إلى من أسفل منكم و لا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم " (رواه مسلم و البخاري بمعناه)

قال عون بن عبد الله : كنت أجالس الأغنياء ، فلم أزل مغموما ، كنت أرى ثوبا أحسن من ثوبي ، و دابة أفره من دابتي ، فجالست الفقراء فاسترحت
7) الإستئناس بالناس : و من آفات الصحبة : الاشتغال بالإخوان عن تفريغ القلب للفكر و الاستئناس بالله عز و جل الذي هو أول مطلوب القلوب و أعظم سبب لسعادتها و نجاتها و قد قيل : الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس
قال بعض الحكماء : إنما يستوحش الإنسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة ، فيكثر حينئذ ملاقاة الناس ، و يطرد الوحشة عن نفسه بالكون معهم ، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ، ليستعين بها على الفكرة ، و يستخرج العلم و الحكمة